240للجيب، وفي القسم الثالث وضع سكّيناً وبعض أقلام الرصاص وأوراقاً صغيرة يستطيع إخفاءها، وكان يستطيع أن يكتب أو يرسم على هذه الأوراق بسرعة تامّة. ثمّ ينقل نسخاً من هذه الأوراق في دفتر ملاحظاته عندما تسنح الفرصة. وفي جيب سرّي من جيوبه وضع مسدّساً ومعه خنجراً كباساً، وكان شديد الاعتماد عليه، ولم يجعل أحداً يعلم أنّه يحمل هذه الأسلحة. وكان ينظّف المسدّس ويحشوه ليلاً.
وبعد استئجار الرجال لسَوْق الجمال والحيوانات، وبعد أن جمع أمتعته ودفاتر ملاحظاته وجيوبه السرّية والمحفظة، التي لم تكن تحوي قرآناً كريماً بل كانت كاذبة موضوعة على جانبه، استعد بورتون للرحيل وهو يقول:
«وفي صباح أحد أيّام منتصف شهر تموز مررنا خلال بوّابة ينبع واتجهنا إلى الشرق. وقد صاحب الحجّاج قافلة، مؤلّفة من حوالى 200 جمل، حاملة القمح لأهالي المناطق الداخلية، وكان معهم حرس مؤلَّف من سبعة جنود من الأتراك» 1.
ويمضي بورتون في ذكر المصاعب والمخاطر التي واجهت القافلة، وهي تغذّ سيرها نحو هدفها المنشود، لتصل فجر يوم 25 تموز 1853م إلى مشارف المدينة المنوّرة. وعن الانطباعات التي اعترت الحجيج وما شعر به هو شخصيّاً، كتب يقول: «عند وصولنا إلى قمّة ذلك الجبل رأينا طريقاً ضيّقاً منحدراً تتألف جوانبه من بقايا الحمم البركانية القديمة، وبعد بضع دقائق بدت المدينة المنوّرة أمامنا، وعندها أدركت معنى ذلك القول المأثور الذي يتردّد على ألسنة المسلمين في طقوسهم الدينيّة، وهو عندما تقع عينا الحاجّ على أشجار المدينة عليه أن يرفع صوته بالتسبيح والشكر والثناء على رسول اللّٰه بأبهج الصلوات والدعوات الصالحات، إذ إنّه من خلال ذلك المنظر الجميل لم يكن هنالك من شيء أثّر على تفكيرنا ووجداننا أكثر من منظر تلك البساتين والحدائق الواقعة تحتنا» .
وحالما ارتفعت أصوات رفقائه بالصلوات والدعوات الصالحات