239وفي السويس استقل بورتون سفينة تسمّىٰ سلك الذهب، وقبل الانطلاق حصلت مشاجرة بين ركّابها سرعان ما تدخّل بورتون لحسمها، كما يزعم، وفي ظهيرة يوم 6 تموز (يوليو) عام 1853م انطلقت سفينة الحجّاج التي هدأت الاُمور فيها. . ويقول بورتون: إنّه لم يسعه إلّاالنظر إلى العلم البريطاني الذي كان يرفرف فوق القنصلية البريطانية في السويس. ولكن ما لبث سروره أن اختفىٰ واختنق عندما اشتدّ وجيب قلبه وخفقانه عند التفكير بالمحنة والمغامرة القادمة 1، إلّاأنّ السفينة تعرّضت للغرق في مرحلة لاحقة، كما تعرّض قبطانها للضرب المبرح، غير أنّ المسافرين وصلوا إلى ينبع في نهاية المطاف 2بعد اثني عشر يوماً. وبدأ بورتون بالاستعداد للجزء التالي من الرحلة وهو التوغّل في الداخل 3ولدىٰ نزولهم إلى البرّ داس بورتون، على ما يبدو، على شيء سام جعله يتألّم من قدمه طوال الرحلة. ومن هنا استأجرت المجموعة جمالاً كلفة الواحد منها ثلاثة دولارات واتّجهت إلى المدينة في رحلة مسافتها 130 ميلاً، استغرقت ثمانية أيّام 4.
اختراق جزيرة العرب
هاهو بورتون أمام مهمّته العسيرة وجهاً لوجه، ولابدّ أن يأخذ للأمر عدّته، بمنتهى الحيطة والحذر، لاسيّما وأنّه غير مسلم يجوس خلال الديار، من جهة، فضلاً عن أنّه ينبري لأداء مهمّة سرّية محدّدة يعوّل عليها، وكذلك الدوائر التي وراءه، الشيء الكثير. ولهذا وذاك، كان عليه أن يُهيئ الاستعدادات اللازمة لخوض هذه التجربة المحفوفة بالمخاطر. وبالفعل فقد أنجز المطلوب قبل مغادرة ينبع.
كان يحمل دفتر ملاحظاته، وهو عبارة عن دفتر طويل كان يحفظه في صدره، وقد صنع هذا الدفتر وهو في القاهرة. وكان يعلّق إلى جانبه محفظة تتدلّىٰ من كتفه وتصل إلى خصره، وكانت هذه المحفظة يحمل بها نسخة من القرآن الكريم تبرّكاً، ولكنّه قسّم هذه المحفظة إلى ثلاثة جيوب، وضع ساعة وبوصلة في الجيب الأوّل، وفي الجيب الثاني وضع بعض النقود كمصروف