241والشكر، بدأ بورتون للحظة من الزمن وكأنّه قد أُخِذ بنفس حماسهم، ولكن سرعان ما هدأت أحواله وشرع في كتابة الملاحظات والرسوم بكلّ برود كعادته 1، وممّا كتبه: «عندما نظرنا شرقاً كانت الشمس تطلع من وراء تلال منقّطة بأشجار صغيرة، وكانت الأرض مصبوغة بالذهبي والارجواني، أمامنا امتدّ سهل واسع، وإلى اليسار حاجز من الحجارة، جبل أحُد الشهير الذي ظهرت عند أسفله النباتات وقباب بيضاء» 2، وفي أسفل السهل على بعد ميلين منّا، كانت تربض المدينة المنوّرة، فتبدو كأنّها مكان كبير متّسع، لكنّنا ما دنونا وتبيّناها عن قرب حتّى تبيّن لنا أنّ انطباعنا ذلك كان شيئاً وهميّاً 3.
ويصف بورتون بعد ذلك ساعة الوصول والاستقبال فيقول خلال هذا:
إنّ العرب يبدون في هذه المناسبات من العواطف أكثر ممّا تبديه سائر الأقوام الشرقية التي يعرفها، ففي طبيعتهم من الحنان والمحبّة الشيء الكثير، وهم أكثر تعبيراً عنعواطفهمبكثير من الهنود 4.
ومع ذلك فقد شرع في القيام بالشعائر الضرورية (أو الطقوس على حدّ تعبيره) والتي يصفها بالتفصيل.
ومن المفارقات التي تعرّض لها، بسبب إصابته بألم حاد في رجله لحظة نزوله إلى ينبع، أنّه بدأ زيارة المدينة راكباً على حمار! ، وقد أمّن له الشيخ حامد، وهو أحد الحجّاج الذين رافقوه من القاهرة، حماراً عاري الظهر به عرج في إحدى رجليه وتعوزه اُذن واحدة، ولكنّ الشيخ حامداً رافقه إلى المسجد النبوي، حيث دخلوا من باب الرحمة من خلال درجات.
ورغم أنّه أبدى اندهاشه، لأوّل وهلة، بيد أنّه لم ينس معاييره الغربية في رؤيته للأشياء: «كنت مندهشاً من ذلك المنظر البسيط المبهرج لأقدس مكان في جميع أنحاء العالم الإسلامي» ، ثمّ يضيف: أنّ المسجد كان شديد الشبه بمتحف للفنون من الدرجة الثانية! أو بمكان تُعرض فيه التحف وهو مملوء بالزينة والزخارف العادية الشعبية المألوفة!
أمّا عن رؤيته لمقام النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله