238بورتون الذي أصرّ على أن يدفع جنيهاً واحداً! وقام من بين معارفه من دلّه على رئيس «الزاوية الأفغانية» في الأزهر، وكان هذا رجلاً طيّب القلب، فأعطاه الوثيقة اللازمة لسفره لقاء شلن واحد 1.
ولنزعته الفيكتورية وما يتّصف به الغربيّون عموماً من غطرسة، راح بورتون يكيل السخرية اللاذعة لهذا الرجل الذي قدّم إليه خدمة بلا مقابل، وفيما كان بورتون يستعدّ للرحيل تعرّف إلى نزيل في الفندق الذي يقيم فيه، وهو ضابط ألباني كان قادماً من الحجاز في إجازة، ودعاه الضابط إلى غرفته، فلبّى الدعوة، وهناك وضع كلّ منهما خنجره جانباً وراحا يتعاطيان الخمر، ثمّ أخذا يدعوان النزلاء الآخرين إلى مشاركتهما، إلى أن تحوّل المنزل إلى ساحة للهو والصخب، واجتمع الجيران يؤنّبون السكارى 2.
في صباح اليوم التالي بدأ «الحاج والي» وهو مرشده ومعلّمه الخاص بإسداء النصح له قائلاً: «ليتك تبدأ في رحلة الحجّ حالاً» ، وقد سُرّ بورتون من هذه النصيحة وعمل بها حالاً 3.
فترك القاهرة في أسرع وقت ممكن، وعثر على بدوي من سيناء متّجه في الطريق نفسها، فاستأجر جملين بقيمة جنيه واحد، وتوجّه مع خادم هندي إلى السويس. وفي الطريق التقى بعض التّجار المحترمين من المدينة الذين كانوا عائدين إلى بلادهم، ومعهم شاب من مكّة كان تعرّف إليه في القاهرة ويدعىٰ محمد البسيوني، الذي أخذ بورتون في رعايته طوال الرحلة 4.
عن هذا الشاب يحدّثنا بورتون بأنّه من مواليد مكّة، وكان في حوالى الثامنة عشرة من العمر، وكان حنطي البشرة، عالي الملامح، جسوراً. وقد قرّر هذا الشاب أنيبقىٰ معبورتون ويقوم بخدمته حتّى انتهاء الحجّ. ويقول عنه بورتون:
إنّه كان ملمّاً بالقراءة ولكن بصورة بسيطة، ويستطيع كتابة اسمه وهو ماهر في المساومة، وقد تعلّم التكلّم باللغة العربية الفصحىٰ وهو في مكّة، كما أنّه يستطيع أن يتخلّص بسهولة وطلاقة من مواقف الشبهة، وكان يصلّي ويقوم بمناسك الحجّ بكلّ إتقان.