232وهكذا لم يتلق سوى القليل من التعليم الرسمي. وكان الكولونيل بورتون ينوي إدخال ابنه في سلك الكهنوت؛ ولذا أرسله إلى أوكسفورد لتعلّم مبادئ اللاهوت 1، بيد أنّ الشاب جُبل على التمرّد فلم يتقيّد بقواعد التقاليد البريطانية، فضلاً عن أنّه تصرّف بطريقة منافية لقواعد الرصانة والوقار، فقد سبق وأن تعلّم في منزل والده المبارزة بالسيف، وصار يتحدّى الجميع إلى منازلته، وخلال الدراسة الكهنوتية دعا أحد رفاقه إلى المبارزة؛ لأنّ هذا سخر من شاربيه 2.
ولهذا وذاك، فقد طُرد من الجامعة طرداً مؤقّتاً، وقد كان في نيّته الرجوع إلى الجامعة، لولا سماعه نشوب الحرب في بلاد الأفغان في آسيا، فبدأت أحلام المغامرات تنتابه، فأقنع والده بشراء براءة لمرتبة عسكرية، وفي عام 1842م، وعندما كان في الحادية والعشرين من العمر أبحر إلى الهند، وسرعان ما أصبح ضابطاً في فرقة المشاة، وهي الفرقة الثامنة عشرة 3.
في تشرين الأوّل (اكتوبر) 1842م وصل بورتون إلى بومباي، في أولىٰ رحلاته حول العالم، وهو ضابط برتبة ملازم ثانٍ في «شركة شرق الهند الامبراطورية» . وسرعان ما أظهر مقدرته الفائقة على تعلّم اللغات، حين راح يتقن لغة جديدة كلّ بضعة أشهر، حتّىٰ قيل: إنّه في أواخر عمره كان قد صار يتقن 29 لغة و12 لهجة إقليمية 4.
بخصوص تعلّمه اللغة العربية، فقد بدأ دراستها في جامعة أوكسفورد، ولكنّه لم يكمل دراسته هذه لانضمامه إلى الجيش البريطاني في الهند، حيث استأنف دراسة العربيّة عن طريق سكنه في المقاطعات الإسلامية 5وتعلّم الفارسية على أساتذة مسلمين 6.
لم يكتفِ بورتون بإتقان اللغات، بل كان يتنكّر بثياب أهل البلد وينتحل هويّة محلّية، ففي الهند مثلاً، كان يستأجر متجراً في السوق ويجلس كباقي الباعة يفاصل في الأسعار مع الزبائن الذين لم يتمكّنوا من التفرقة بينه وبين باقي التجّار 7، وفي بلاد كالهند تكثر