207ومع ذلك تستمر هذه الظاهرة بالعيش وتزداد قوّة واتساعاً. (بلغ عدد الحجاج عام 1980 قرابة المليون، بينما لم يبلغ عام 1914 سوىٰ 70 ألفاً) 1وبالتالي يستمر الصراع بين هذه الظاهرة وبين كافّة الظواهر والعلاقات المعيقة لها بهذا الشكل أو ذاك.
البعد السياسي للحجّ
كانت القبائل عندما تؤم مكّة في موسم الحجّ، تحمل كلّ منها أعلامها المميّزة وأصنامها ولباسها، مؤكّدة بذلك علىٰ تمايزها القبلي أو علىٰ رتبتها وعلوّ شأنها بين القبائل الأخرىٰ. ولكنّ الحجّ بعد الدعوة، أرسىٰ مؤسسة جديدة تتعارض بل تلغي كلّ هذه الممارسات والشعائر. خالقة حالة توحيديّة خالصة، تؤمن للمسلمين إحدى الدعائم التي تجعلهم قادرين علىٰ مقاومة الانشدادات المختلفة من قوميّة وقبلية وما إلىٰ ذلك. «فالمسلمون لا تبتلعهم القوميات، كما ابتلعت أمماً كثيرة، ولا يصبحون ضحيتها، ولا تكون بلادهم التي يحبونها بسائق الفطرة والعاطفة والعصبيّة، قبلة يتوجهون إليها، وكعبة يحجون إليها، إنّما هي قبلة واحدة يتوجّه إليها الشرقي والغربي، والعجمي والعربي، وإنّما هي كعبة واحدة يحجّ إليها الهندي والأفغاني والمسلم والأوروبي والأمريكي. . . فالحجّ انتصار على القوميات الوطنيّة والعنصريّة واللسانية، التي قد يصبح بعض الشعوب الإسلامية فريستها تحت ضغط عوامل كثيرة، فتتجرّد جميع الشعوب الإسلاميّة من جميع ملابسها وأزيائها الإقليميّة، التي تميز بعضها عن بعض ويتعصب لها أقوام، وتظهر كلّها في مظهر واحد يسمى (الإحرام) في لغة الدين والفقه، وفي مصطلح الحجّ والعمرة، حاسرة رؤوسها ما بين رئيس ومرؤوس، وصغير وكبير، وغني وفقير، وتهتف كلّها لغة واحدة ونغمة واحدة: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» 2.
والطواف حول الكعبة يرىٰ فيه الإمام الخميني رمزاً لحرمة «الطواف