206الدعوة الإسلامية المباركة وفي المدينة المنوّرة، دولة الإسلام الأولىٰ، يعي من الذكريات في أرضها انطباعات روحية كبيرة: هنا نزل الوحي، ومن هنا انطلق الرسول صلى الله عليه و آله، داعياً ومبشراً ونذيراً، وفي هذه الأمكنة عُذب دعاة الإسلام الأوائل واستشهد بعضهم مواجهين الطاغوت. . . وعلىٰ هذه الطريق هاجر المسلمون من مكّة إلى المدينة. . .» 1.
وكما تتواصل تجربة الحجّ مع النسق التوحيديّة في التاريخ، استمر الصراع ما بعد الدعوة الإسلامية بين خط الممارسة التوحيدية وخطّ الوثنيّة والتسلط. ففي تاريخ هذه الظاهرة وواقعها الراهن نلحظ جملة من الظواهر والممارسات التي تحاول ضرب هذه التجربة، أو على الأقل إضعافها وجعلها ممارسة شكلية.
ففي كثير من العهود التاريخيّة اللاحقة لمرحلة الدعوة، نلحظ انعكاسات الاختلال العام في بنية المجتمع الإسلامي علىٰ ظاهرة الحجّ. إذ ظهرت تجربة تعيين أمير الحجّ من قبل السلاطين، وما استتبع ذلك من امتيازات وممارسات مختلفة أدت إلىٰ جعل هذا المنصب فرصة للترقي وجمع المال وتوظيف شرعيّة هذا الموقع من أجل مكاسب ومنافع مختلفة. كما أدى الاختلال العام في حقب معينة إلىٰ تعيين عدة أمراء للحجّ، وبالتالي خلق فجوة وشرخ فيما بين الحجيج ذات طابع جغرافي أو عرقي أو مذهبي 2.
أضف إلىٰ ذلك، هجمات عصابات متعدّدة علىٰ طريق الحجّ، للاستيلاء علىٰ قوافل الحجيج وسلبهم. كذلك محاولة التجار والبدو في مكة فرض أسعار عالية جداً علىٰ ما يبيعونه من ماشية.
وفي الوقت الراهن نلحظ ما للحدود السياسيّة للدولة التي يعيش فيها المسلمون من أثر كبير علىٰ حريّة الحجّ خاصّة بالنسبة للدولة التي تقع مكّة فيها.
فهناك قيود ومراقبة أمنية وسياسية وتداخلات لمنع الحجيج من التفاعل والتواصل بهذا الشكل أو ذاك.