205الجاهلي، وعلىٰ ما كانوا يتخيّلونه من سموّ وامتياز، فأبطل اللّٰه هذا الامتياز الجاهلي، وأمرهم بأن يعملوا كما يعمل الناس، ويقفوا بعرفات وقال: ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس 1.
ومن سمات الحجّ في الجاهليّة، أنّه كان عيداً من أعيادهم، ومكاناً للمفاخرة بالأنساب القبليّة ومآثر الآباء، وللَّهو والخصام، فرفض القرآن ذلك في الآية التي تقول: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ 2.
إنّ هذا المنهج في مغالبة المنحى «الاشراكي» تبدو معالمه جيلة فيما أُرسي من ممارسات معينة ونبذ أخرىٰ كانت سائدة، بهدف رسم مسار توحيدي خالص للحجّ بهدف تخليد خصائص تجربة إبراهيم ومآثره، وتجديد دعوته وتعليمه، عقيدة وممارسة.
هذا التواصل مع الخطّ التوحيدي السابق للرسالة الإسلامية، نجد له استمراراً بعد ثلاثةعشر قرناً في تجربة الحجّ لدىٰ مسلمين في القرن العشرين. ففي توصيف لمحمّد أسد حول تجربته في الحجّ يقول: «. . . وإذا وقفت علىٰ رأس التلة أُحدق إلىٰ أسفل نحو سهل عرفات الغائب عن ناظري، شعرت كأنّ زرقة الأرض أمامي، التي كانت ميتة منذ لحظة، قد دبت فيها الحياة من جديد بتلك التيارات من الأنفس البشرية التي مرت عبرها، وامتلأت بالأصوات الغريبة تصدر عن ملايين الرجال والنساء الذين مشوا أو ركبوا ما بين مكّة وعرفات في أكثر من ألف وثلاثمائة حجة. . . إنّ أصواتهم وخطواتهم، وأصوات حيواناتهم، وخطواتها، تستيقظ وتسمع من جديد: إنّي أراهم يمشون ويركبون ويتجمعون، كلّ تلك الملايين من الحجاج بثيابهم البيضاء عبر ألف وثلاثمائة عام. . . إخوان لي عن اليمين، وإخوان لي عن اليسار، كلّهم لا أعرفهم، ولكنَّ واحداً منهم ليس غريباً عنّي» 3.
وفي تجربة حجّ آخر نقرأ: «إنّ الإنسان عندما يتواجد في مكّة المكرّمة منطلق