198فالثبات بهذا المعنىٰ هو عين الحركة الآيلة إلىٰ دفع الإنسان نحو التعلّق بقيم التوحيد المتعالية، يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلىٰ ربّك كدحاً فملاقيه 1.
البعد العقائدي: التوحيد والتنزيه
يرسي الإسلام كعقيدة في وعي وممارسة أتباعه «تصوراً» للخالق، مفاده أن اللّٰه متعال عن كلّ الصفات والتشبيهات التي يمكن أن تتراءىٰ للمسلم في تجربته وواقعه المعاش، أيأنّ اللّٰه لا يمكن تجسده وفق شكل ومظهر محدّد. وهذا ما يقابله بالنسبة للإنسان أن يركن إلىٰ علاقة مع اللّٰه لا توسط فيها، مهما كان الشكل الذي يمكن أن يأخذه هذا التوسط: صور، أصنام، هياكل، طبقة كهان، أو أية فئة بشريّة بعينها سواء اتخذت شكل فرد أم طبقة أم طائفة أو أيشكل مجتمعي آخر، وهذا ما تؤكّده الآية التي تقول:
وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون 2.
إنّ الإسلام يفرض علىٰ أتباعه - ضمن هذا الفهم - مستوًى من التجريد بالنسبة لأيّ واقعة بعينها، تسمح لهم بالانعتاق والتحرّر من أيّ من الوقائع الطبيعيّة والبشريّة بغرض التواصل مع «الواحد المتعال» ، عن أيّ من مخلوقاته.
ولكن هذا التعالي المطلق لا يحيل الخالق إلىٰ معطىً فارق ومفصول عن الوجود.
بل إنّ آياته مبثوثة في الوجود كلّ الوجود. ومن هنا يبدأ المسلم في إقامة علاقة توازن - صراع - توحيد مع محيطه الطبيعي والبشري. دون أن يجعل من أيّ من هذه المظاهر نقطة قياس متعالية، بل يرىٰ فيها النسبي والزمني والمتغير والجزئي الذي يتوازن ويقاس إلىٰ مثل الأعلى اللامتناهي. . .
وبحكم أنّ اللّٰه هو المطلق، إذن الطريق أيضاً لا ينتهي، هذا الطريق طريق الإنسان نحو اللّٰه هو اقتراب مستمرّ بقدر التقدم الحقيقي نحو اللّٰه، ولكن هذا الاقتراب يبقىٰ اقتراباً نسبياً، يبقىٰ مجرد خطوات على الطريق من دون أن يجتاز هذا