78المحدثين من أهل السّنة حوله قائلاً: «أقذع أحمد بن علي السّليماني الحافظ فقال:
كان يضع للروافض» 1، ثم قام بالردّ عليه مادحاً الطبريّ بقوله: «ثقةٌ صادقٌ فيه تشيّعٌ يَسير وموالاة لاتَضُرّ» 2، واحتمل أنّ يكون السّليماني قاصداً الردّ على ابن جرير الشيعي الذي قام بتأليف كتاب (الرواة عن أهل البيت) .
وبعد الأخذ بنظر الاعتبار النّصوص الموجودة لدينا والخاصة باتّهام الطبريّ بالتشيّع، يتأكد لنا من أنّ الشخص الذي قصده السليماني في كتابه هو الطبريّ لا غير، علاوةً على ذلك فإنّ ابن جرير الشيعيّ لم يكن معروفاً في الأوساط السنيّة.
وفي كتابه (لسان الميزان) قام ابن حجر بنقل كلام الذّهبيّ مؤيّداً إيّاه ومدافعاً عن السّليماني الذي اعتبره إماماً متقناً، ثم أكّد أنّه إنّما عنى بكلامه ابن جرير الثاني (أي الإماميّ المذهب) ! لكنّه مع ذلك يُشير إلى نقطة مهمّة تتعلّق بالطبريّ بقوله: «وإنّما نُبِزَ بالتّشيّع لأنّه صحّح حديثَ غدير خُمّ» 3.
تشيّع الطبريّ 4
قبل الشروع بالبحث في روايات الغدير في كتاب الطبري، لا بأس من طرح سؤال هنا على سبيل الاستدراك وهو: هل كان هذا هو السبب الوحيد الذي بواسطته اتُّهِمَ الطبريّ بالتّشيع، أم كانت هناك أسباب أخرى؟ ثم لِمَ لم يذكر بل لَم يُشر الطبريّ إلى حَديثي (الغدير) و (الطير) المشهورَين في كتابيه (التاريخ) و (التّفسير) ولكنّه قام في سنيّ عمره الأخيرة بتأليف كتاب يتناول الحديثَين المذكورين بشكل مفصّل وهو يعلم علم اليقين العواقب الخطيرة التي يمكن أن تترتّب على تأليفه مثل ذلك الكتاب؟
هل يمكن أن نقول: إنّ تحوّلاً جذريّاً قد طرأ على عقيدة الطبريّ الدينيّة؟ إنّ احتمالاً كهذا يبدو غير صحيح؛ وذلك إذا ما أخذنا شخصية الطبريّ وتآليفه المعروفة بنظر الاعتبار. الحقّ أنّ هذه المسألة تكمن وراءها أمور عديدة تعمل كلّها على تشويه الصورة الأصلية لها.