46
وسائقها، ومناخ ركابها ومحطّ رحالها» .
ومن شواهدها أنّه كان يقول والخارجون عليه يرجمونه بالمروق: «ما أعرف أحداً من هذه الاُمّة عَبَدَ اللّٰه بعد نبيّنا غيري، عبدت اللّٰه قبل أن يعبده أحد من هذا الاُمّة تسع سنين» .
وزاده اتهام من حوله معتصماً بالثقة بنفسه، فلمّا عتب عليه خصماه طلحة والزبير أنه ترك مشورتهما قال: «نظرت إلى كتاب اللّٰه وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتّبعته. وما استنّ النبيّ صلّى اللّٰه عليه وسلّم فاقتديته. فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما واخواني المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما. . .» .
ومن أقوال العقّاد الأخرىٰ: كان مثلاً يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنّعون بالحديد. أفعجيب منه أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنّعون بالحيلة والرياء؟ وكان يغفل الخضاب أحياناً ويرسل الشيب ناصعاً وهو لا يحرم خضابه في غير ذلك من الأحيان. أفعجيب منه، مع هذا، أن يقل اكتراثه لكلّ خضاب ساتراً ما ستر، أو كاشفاً ما كشف، من رأي وخليقة؟
وعن صدقه وزهده فيقول العقاد: . . . فما استطاع أحد قطّ أن يحصي عليه كلمة خالف فيها الحقّ الصراح في سلمه وحربه، وبين صحبه أو بين أعدائه، ولعلّه كان أحوج إلى المصانعة بين النصراء ممّا كان بين الأعداء، لأنّهم أرهقوه باللجاجة وأعنتوه بالخلاف. فما عدا معهم قول الصدق في شدّة ولا رخاء، حتى قال فيه أقرب الناس إليه: إنّه رجل يعرف من الحرب شجاعتها ولكنّه لا يعرف خدعتها.
وكان أبدا عند قوله: «علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك، على الكذب حيث ينفعك، وألا يكون في حديثك فضل على علمك، وأن تتّقي اللّٰه في حديث غيرك» .
وصدق في تقواه وإيمانه كما صدق في عمل يمينه ومقالة لسانه. فلم يعرف أحد