45صفوفه وأفسدوا عليه أمره وكانوا شرّاً عليه من معاوية وجنده، لأنّه رآهم مخلصين وإن كانوا مخطئين وعلى خطئهم مصرِّين. .
وعن صفة الثقة والاعتزاز بالنفس في المواقف الحرجة والعلم. . . يقول العقاد: فما منعته الطفولة الباكرة يوماً أن يعلم أنّه شيء في هذه الدنيا وأنّه قوّة لها جوار يركن إليه المستجير. ولقد كان في العاشرة أو نحوها يوم أحاط القروم القرشيون بالنبيّ عليه السلام ينذرونه وينكرونه وهو يقلب عينيه في وجوههم ويسأل عن النصير ولا نصير. . لو كان بعلي أن يرتاع في مقام نجدة أو مقام عزيمة لارتاع يومئذ بين أولئك الشيوخ الذين رفعتهم الوجاهة ورفعتهم آداب القبيلة البدوية إلى مقام الخشية والخشوع. ولكنّه كان عليّاً في تلك السن الباكرة كما كان عليّاً وهو في الخمسين أو الستّين. . فما تردّد وهم صامتون مستهزئون أن يصيح صيحة الواثق الغضوب: أنا نصيرك. . فضحكوا منه ضحك الجهل والاستكبار، وعلم القدر وحده في تلك اللحظة أن تأييد ذلك الغلام أعظم وأقوم من حرب أولئك القروم. .
عليّ هذا هو الذي نام في فراش النبيّ ليلة الهجرة، وقد علم ما تأتمر به مكّة كلّها من قتل الراقد على ذلك الفراش.
وعليّ هذا هو الذي تصدّى لعمرو بن ود مرّةً بعد مرّةً والنبيّ يجلسه ويحذّره العاقبة التي حذرها فرسان العرب من غير تحذير، يقول النبي: اجلس. إنّه عمرو.
فيقول: وإن كان عمراً. . كأنّه لا يعرف من يخاف ولا يعرف كيف يخاف، ولا يعرف إلّا الشجاعة التي هو ممتلئ بها واثق فيها في غير كلفة ولا اكتراث.
أن يعتصم المرء منه بثقة لا تنخذل، وأنفة لا تلين. فمن شواهد هذه الثقة بنفسه انّه حملها من ميدان الشجاعة إلى ميدان العلم والرأي حين كان يقول:
«اسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني في شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدى مائة وتضلّ مائة إلّاأنبأتكم بناعقها وقائدها