214زيفهم ويعري مواقفهم وادعاءاتهم. . .
كانت كلّ أمنياته أن يحذف ويلغي كلّ انحرافٍ من حياة هذه الأمة، فهو يخشى إن بقي هذا الانحراف أن يتجذر، ويصبح وكأنه هو الصحيح وغيره خطأ، وكان يخشى على هذه الأمة أن تذهب بعيداً عمّا بناه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وارتأته السماء. . . لهذا ولغيره تصدى أبوذر وتحمل عواقب هذا التصدي.
كانت له مواقف عديدة شهد بها التاريخ ومؤرخوه تتسم بالقوة والشدّة صبت كلّها ضد حكام عصره والأغنياء وثرواتهم بغير حقّ. . . فكانت دروساً قيمة للأجيال في مقارعتها للظلم والظالمين والترف والمترفين، وراحت مواقفه الجريئة هذه انشودةً لا يتخلى عن إنشادها المناضلون ولا يعزف عن التغني بها المجاهدون، وراح يترسمها الأحرار في كلّ مكان وزمان. . . وقد سببت له ابتلاءات كثيرة كان يستعذبها لأنها في اللّٰه وللّٰه، «يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء» ، قلتُ: في اللّٰه؟ قال صلى الله عليه و آله: «في اللّٰه» ، قلت: مرحباً بأمر اللّٰه.
كانت كلمات رسول اللّٰه تلاحقه، وكان هو الآخر يستحضرها في كلّ خطواته وأقواله، أمرنا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
وكان في جهاده هذا يستوحي كلّ مواقفه وكلماته من السماء ورسولها ولا يغيّر ولا يبدل: واللّٰه، ما كذبتُ على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، ولا أخذت إلّاعنه، وعن كتاب اللّٰه عزّوجلّ.
واللّٰه إني لعلى العهد الذي فارقتُ عليه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، ما غيرتُ، ولا بدلتُ.
لقد بايعت رسول اللّٰه على أن لا تأخذني في اللّٰه لومة لائم. . .
قصد أبو ذر الشام واستقرّ بدمشق حيث الثروة المبدّدة، والإسراف الفاحش، والدنيا الفارهة، وحيث الترف والمترفين الى جانب ذلك كلّه وجد الفقر المدقع والحاجة القاتلة، فأعلنها مدويةً صرخةً ضد الأغنياء ليبروا الفقراء، ثورةً ضد