215الطغاة لينصفوا الرعية. كان صوتاً عالياً ضد أصحاب الأموال؛ ليمدوا يد العون لإخوانهم.
كانت بحقّ ثورةً كبرى ضد الطبقية القاتلة التي تنخر بالمجتمع المسلم وتهدّد كيانه وتطيح بقيمه ومبادئه.
يقول الدكتور الجميلي:
لقد كان يرى أنّ المال فتنة تثير الغفلة والريبة والشبهات حول أولي الأمر، هذا رأيه، وهذا فهمه، وتلك طبيعته المفطورة على الطهر والنقاء والنظافة والتنزه عن مجرّد الارتياب.
كان يشتدّ به الضيق عندما يرى اُمراء المؤمنين يتمرغون في القصور، ومن ورائهم يرى الجياع المتربين ذوي الخصاصة يتضورون متهالكين، فكان دائماً يردّد قوله تعالى:
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّٰه فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون 1.
حمل رداءَه، واشتمل بردته، وسار الى بلاد الشام حيث ثمّ معاوية ابن أبيسفيان يقطن ويستمتع بالخصوبة والفيء والمروج الخضر، حيث الثروات والقصور المنيفة والضيع الوارفة الظلال، ولم يسكت على الثورة الضاربة في داخل كيانه، لكنها انطلقت على لسانه، فصرخ في الناس.
«عجبتُ لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه» .
فإن أمير القوم أول من يجوع إذا جاعوا، وآخر من يشبع إذا شبعوا.
كان يأتي معاوية في عقر داره في مجلسه، ويعلنها واضحةً لا لبس فيها:
خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.