166لتحقيقها، هي الاُمّة المسؤولة المكلّفة بأحكام السماء لا غيرها، وإذا ما تفرّق أبناؤها وإذا ما تشتّت مذاهب وفرقاً، فلا يصدق عليها حينئذٍ التعبير القرآني والكلمة القرآنية أنها (اُمّة) ولا تكون مشمولة بما أرادته الآية الكريمة هذه وكذلك الآية السابقة كنتم خير اُمّة. . . فبالتنازع والتناحر تلغى خصوصية الاُمّة، وتلغى آثارها من القوّة والمنعة والقدرة والتآلف، وتستبدل بالضعف والعجز والحقد والبغضاء وما إلى ذلك.
أرادنا اللّٰه أن نأمر بالمعروف جماعة وأرادنا أن نستنكر المنكر جماعة ف «يد اللّٰه مع الجماعة» ، وهذا لا يعني أنّ الفرد بنفسه ليس مكلّفاً ومأموراً باستنكار المنكر والأمر بالمعروف وشجب الظلم، فهذا واجب ومسؤولية ملقاة علينا كأفراد وجماعات، ولكن اللّٰه سبحانه يحبّ أن يكون الأمر جماعة فهو أقوى أثراً وأدوم بقاءً، فالصلاة جماعة أفضل من الصلاة فرادىٰ. .
إنّ الاُمّة القويّة القادرة المتآلفة هي الاُمّة القرآنية، التي لا تفاخر ولا تكاثر بينها بالأنساب والأموال والأنفس ألهاكم التكاثر ، وهذه عيوب تفتت جمعها وتمزّق شملَها، وتبعثر وجودها، وبالتالي تطيح بكيانها بعد أن تتركها أكلةً سائغةً للأعداء.
فالاُمّة القرآنية وهي الهدف الذي كانت تهفو إليه قوافل الأنبياء والمرسلين، وجدّت في المسير إليه ولا زالت كلّ مواكب الصالحين، كما راحت ترفرف حوله وتطوف به أرواح الشهداء، بعد أن عبّدته جماجمهم وسقته دماؤهم. . وظلّت الأجيال المؤمنة المتعاقبة تتوارث كنوزه المضرّجة بدماء الشهداء والمعفّرة بتراب ساحات الفداء حتى وصل إلينا وها هو بين أيدينا هدفاً سامياً عظيماً، أفيصح منا أن نفرّط به وأن نضيّع ما قد وفّرته لنا تلك الجهود المباركة وتلك الحشود الصادقة، فنفد على ربّنا ببضاعة كاسدة فيقول كلّ منّا أين المفرّ بعد أن ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر ويومها يتذكّر الإنسان وأنّا له الذكرى* يقول يا ليتني