167
قدّمت لحياتي؟
لا أريد أن يُفهم ممّا أقوله أنّ الماضين لم يكن بينهم خلاف، ولم تكن هناك مواقف كادت أن تمزّقهم. لا، أبداً، بل أريد أن أقول: إنّ هناك قواسم مشتركة بينهم، زيّنت صفحات حياتهم، وكانت نقاط خير وعطاء للقائهم وتوحّدهم. . . فما أحرانا وقد كثر أعداؤنا والمتربّصون بنا - أن نلتقي نحن أيضاً عند القواسم المشتركة وما أكثرها. فخلافات الرأي وما يترتّب عليها من مواقف ماثلة أمامنا، ولكن بوجود الصالحين الواعين تضيق دائرتها ويمنع من تجذّرها؛ لنبدأ حياة أكثر إشراقاً وأكثر أملاً دون أن نكبت صوت الحق أو نلغي الآراء المبرّرة والاجتهادات العلميّة، أو أن نصادر الرأي الآخر إذا ما توفّرت أدلّته وقام على ركن قوي.
وبذلك نستطيع أن نحفظ لاُمّتنا دينها وأصالتها، وأن نصون وحدتها ونقوي شوكتها ونديم وجودها، فتقف شامخةً بين الاُمم، ومتعاليةً على ما فيها من خلافات فرضتها طبيعة الحياة وطبيعة العمل والكدح ما دام الهدف الأعلى والغاية الأسمى التي نسعى جميعاً لتحقيقها، هو الاُمّة القرآنية التي بها كلّ خير وعطاء وبها رضا اللّٰه سبحانه وتعالى.
لهذا كلّه ولغيره ممّا لا يسع المقام ذكره بادر السيّد الإمام رضوان اللّٰه عليه بعد أن وعى كلّ ذلك وآثاره، وعرف أنّ قيمة هذه الاُمّة بوحدتها، وأنّ للوحدة قيمة كبرى، وأنّ رسالة السماء ودعوتها يتوقف تبليغها على وحدة الاُمّة، وأن انتصارها وبقاءها رهين بوحدتها وأنّ موتها وانقراضها بتفرّقها، وبالتالي فإنّ وحدتها فوق كلّ اختلاف. . بادر سماحته يحول نقاط الخلاف بين أبنائها إلى نقاط ائتلاف ضمن رؤية عقائدية وفقهية وسياسية تبحث عن القواسم المشتركة، فيقف عندها دون أن يغور بالخلافات الاُخرىٰ فتتعمّق، أملاً أن تجد حلّاً في المستقبل، فالزمن كفيل بحلّ كثير من المعضلات، وما استعصىٰ حلّه اليوم يتيسّر حلّه غداً، وهكذا راح سماحته بحكمته العالية وهمّته التي لا تعرف الكسل، وبأمله الذي لا يشوبه اليأس،