138الأحوال: وللّٰه على الناس حجّ البيتمن استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّاللّٰه غني عن العالمين .
ويتواصل الحج مع منظومة عبادات لدى المسلمين، تبدأ بالصلاة والصوم، وتتوّج بالحج. إلّاأنّ هذه العبادات المختلفة، رغم ما يجمعها من خصائص مشتركة، يبقىٰ لكلّ منها خاصية وفرادية. . لذا فالحج، كظاهرة يمكننا القول: إنها في الوقت الذي تندرج فيه ضمن نظام أعم من العبادات تحمل منطقها وقواعدها ووظائفها المميزة.
إنّ القيام بالحج ليس أمراً عفوياً يقوم به المسلم كيفما اتفق، انطلاقاً من قناعاته الفردية أو تأثراً بالمناخ الحقوقي والقانوني الذي ينظّم العلاقات الاجتماعية المختلفة في البلد الذي يعيش فيه، ولا انطلاقاً من العرف الذي يحكم القبيلة أو الطائفة التي ينتمي اليها.
فالحج تحكمه منظومة فقهية تفصيلية، يتعامل معها المسلمون على أنها شروط إلهية ورسالية، لا يحق للفرد أو الجماعة أو الأمة، في أية مرحلة من مراحل التاريخ وفي أية بقعة من بقاع الأرض، أن يجروا أيّ تعديل عليها، مهما كان الموقع الذي يتبوؤنه في السلطة وفي الحياة العامة.
البعد السياسي للحج
تنطوي شعائر الحج على الكثير من المضامين العبادية والدلالات السياسية، في آن معاً، وقد كانت القبائل عندما تؤم مكة في موسم الحج، تحمل كلّ منها أعلامها المميزة وأصنامها، ومؤكدة بذلك على تمايزها القبلي أو على ترتبتها وعلو شأنها بين القبائل الأخرى.
ولكن الحج، بعد الدعوة، أرسىٰ مؤسسة جديدة تتعارض بل تلغي كافة هذه الممارسات والشعائر، خالقة حالة توحيدية خالصة، تؤمّن للمسلمين إحدى الدعائم التي تجعلهم قادرين على مقاومة الانشدادات المختلفة؛ من قومية وقبلية وما الى ذلك. . . .
وعليه، فالحج كما يتّضح من الكتاب والسنة وسيرة السلف وأقوال العلماء لا يتلخّص في كونه موسماً عبادياً (بالمفهوم المألوف عند كثيرين) ، بل هو الى جانب ذلك مؤتمر سياسي عالمي وملتقى اجتماعي عام يوفّر للمسلمين القادمين