139من شتىٰ أنحاء المعمورة فرصة التعارف، والتآلف، واللقاء بعضهم ببعض، وانتفاع بعضهم ببعض، ومداولة أمورهم وحل مشاكلهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في جو من الأمن والقداسة والصفاء والمحبّة.
لقد وصف القرآن الكريم «الحج» في عدّة مواضع بأن فيه ما ينفع الناس ويضمن مصالحهم، كما أنّ السنّة والسيرة النبوية الشريفة هي الأخرىٰ تشير إلى أنّ النبي صلى الله عليه و آله مارس الأعمال السياسية في الحج، فضلاً عن الأحاديث التي تفيد بأن الحج نوع من الجهاد كقوله صلى الله عليه و آله: «نعم الجهاد الحج» .
ولعل ما جاء وصحّ عن الرسول صلى الله عليه و آله من الأدعية والأذكار في الحج تلك التي تتضمن معاني سياسية الى جانب معانيها التوحيدية خير شاهد على أنّ الحج موسم مناسب لأن يظهر فيه المسلمون موقفهم من أعداء اللّٰه والاسلام. . كالدعاء: «لا إله إلّااللّٰه وحده وحده، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» .
وقد أشار كثيرمن علماء الاسلام والمفكرين الاسلاميين الى ما ترمز إليه هذه المناسك من اُمور معنوية، واقتصادية، واجتماعية وسياسية. كما ورد في البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه و آله عامه الذي استأمن فيه (أي قدم مكة للعمرة) قال لأصحابه: إمِلوا (أي اسرع في المشي، وهزّ منكبيه) ليري المشركين قوتهم.
وفي البخاري ومسلم أيضاً قال ابن عباس: «إنما سعىٰ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته» .
وهذا يشير الى أنه يجوز أن يضم الحاج الى مناسكه مقاصد سياسية وأغراضاً جهادية مثل إرهاب الأعداء واستنكار أعمالهم، وشجب مؤامراتهم وفضح خططهم. . كما يوحي بذلك عمر ابن الخطاب إذ كان يقول إذا كبّر واستلم الحجر: «بسم اللّٰه واللّٰه أكبر على ما هدانا، لا إله إلّااللّٰه لا شريك له، آمنتُ باللّٰه وكفرت بالطاغوت» .
إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ السلف الصالح لم يقتصر في الحج على المناسك