254خاصاً من الاضاءة للشرق، وأسس شخصية المستشرق بوصفه السلطة المرجعية المركزية للشرق؛ ومنح الشرعية لنمط خاص من العمل الاستشراقي الذي يمتلك انسجاماً وتماسكاً محددين؛ وأدخل إلى مجال الاستعمال الثقافي نوعاً من العملة النقدية الاستطرادية أصبح الشرق، بسبب حضورها، من يتحدّث، منذ الآن، باسمه؛ وفوق كلّ شيء، فإنّ عمل المدشنين قد اقتضى حقلاً دراسياً وعائلة من الأفكار، كان بمقدورها هي بدورها أن تشكّل مجتمعاً من الباحثين كانت الوشائج بينهم، وكان تراثهم، وطموحاتهم، في آن واحد، داخلية تنبع من الحقل الدراسي، وخارجية بما يكفي لضمان التمتع بمزايا خاصة. وبمقدار ماازداد فرض ارورپا لنفسها على الشرق وعبورها لحدوده، خلال القرن التاسع عشر، بمقدار ماازداد اكتساب الاستشراق للثقة العامة بهِ (3) .
وحين نبدأ بمعاينة الاستشراق بوصفه نمطاً من الإسقاط الغربي على الشرق وارادة السيطرة عليه؛ فلن يواجهنا إلّاعدد قليل من المفاجآت، وذلك أنه إذا كان صحيحاً أنّ مؤرخين مثل ميشليه، ورانكه، وتوكفيل، وبيركهارت، يحبكون سردهم «كقصة من نمط خاص» فإنّ الشيء نفسه يصدق على المستشرقين الذين حبكوا التأريخ الشرقي، والشخصية الشرقية، والمصير الشرقي لمئات من السنين.
لقد أصبح المستشرقون، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، جماعة أكثر جديّة؛ لأنّ آماد الجغرافيا التخيليّة والواقعية كانت، بهذا الوقت، قد تقلّصت، إذ إنّ العلاقة الشرقية - الاوروپية كانت قد تحدّدت بتوسّع أوروپي لا يُصَدُّ بحثاً عن الأسواق، والمصادر الطبيعية، والمستعمرات. وأخيراً؛ لأنّ الاستشراق كان قد انجز تقمصه وتحوّله من إنشاء بحثي إلى مؤسسة امپريالية (4) .
وهكذا غدا التراث الاستشراقي