216
في جدة:
مضت ستّ ساعات من يوم السبت، التاسع والعشرين من محرّم الحرام سنة (1298) ، وصلنا مدينة جدّة. لقد نزلنا في طابق علوي من بيت حيث يُشاهَدُ البحر كلّه. هذه الليلة الوابور (السفينة البخارية) واقفٌ على البحر دون حراك.
ليلة الأحد، غرّة شهر صفر المظفّر (1298) رأينا الهلال من السطح، وحمدنا اللّٰه لكوننا سالمين لحدّ الآن! نتمنّىٰ من حضرة الباري سبحانه أن يحفظ أرواحنا وتنجو من هذا البحر العظيم. يَعلم اللّٰه أين سنكون غرّة ربيع الأول.
«اللهم اجعل عواقب اُمورنا خيراً بحقّ محمّد وآله» .
صباح يوم الأحد، غرّة شهر صفر، جاء الحاج عبد اللّٰه ديرباج بالباخرة وقال: هذه السفن البخارية ليست جيّدة، فعلى الحجّاج أن يتوقفوا هنا عدّة أيام حتىٰ تصل سفينة جيّدة أخرىٰ. في كلّ عصر كنتُ أنظر إلى البحر بالمنظار. هذا هو تقدير اللّٰه، فأين أنا من جدّة والتفرّج على البحر؟ ! في الحقيقة أنّ الانسان يجهل عاقبة اُموره أين تؤول. لحدّ اليوم وهو يوم الثلاثاء، لم يكن أثرٌ للسفينة. في حين لا تزال السفن البخارية السبع مرابطة في مكانها السابق في البحر.
إنَّ بيوت جدّة كبيوت مكة المعظّمة. هذا المنزل الذي نسكن فيه حالياً، فيه ثمانون درجة سُلّم من الأسفل حتى السطح، والىٰ هذه الغرفة التي نقيم فيها هناك أربع وستّون درجة. ليومين متتالين تهبّ الريح هنا. وما دامت هناك ريح فإنَّ الهواء بارد بحيث يميل الفرد إلى ارتداء السترة. وبمجرّد توقّف الريح، يصبح الجوّ حارّاً.
منذ اليوم الأول لدخولنا الجزيرة العربية، والذي كان في أوائل برج الميزان، وحتى الآن وهو الوقت الذي يقترب فيه من انتصاف الشّتاء، تُرىٰ هذه الحالة في كلّ وقت وفي كلّ مكان. إلى الوقت الذي يكون فيه هناك نسيم، فالجوّ جيّد، وليس حارّاً، ومتىٰ ما انقطع النسيم، فالجوّ يشبه جهنّم إلىٰ حدّ كبير. والآن ومع هبوب النسيم ليومين متتالين، إلّاأنَّ الماء ما زالَ بارداً داخل الجرار. عجَّل اللّٰه في مجيء الوابور