215الحجّاج اجتمعوا، أرادوا أن يُصرفوا هؤلاء الغلمان السود الأربعة عن ذلك، فلم يكن بالإمكان فعل شيء. فكان لابدّ من النزول. لم يكن هناك قدْر يكفي من الماء حتى للوضوء للتّهيؤ لصلاة الصبح. وبعد مشقة وعناء كبيرين أقمنا الصلاة علىٰ أي حال، ثم ذهبوا علىٰ بعد فرسخ وجاءوا بماءٍ وَحل وسخ كثيراً تسبح فيه كلّ أنواع الجراثيم. يالَها من مصيبة تلك التي يصبّونها علىٰ رؤوس الحجيج! الواقع أن ذلك لا يمكن تدوينه هنا.
في يوم الجمعة، الثامن والعشرين من الشهر، قضينا الوقت في صحراء لا اسم لها، ولأربع ساعات بقينَ للغروب من اليوم المذكور تحرّكنا وبدأنا المسير، لنرىٰ ما سيحصل هذه اللّيلة، هل سيوصلون الحجّاج المشدوهينَ إلىٰ جَدّة أم أنّهم سيختلقون لُعبة أخرىٰ في هذه الصحراء. بعد مضيّ ساعة واحدة من الغروب، نزلنا لأداء صلاة المغرب. وبعد أداء الفريضة ركبنا، وفي الساعة السادسة، سُمِعَ صوت صياح يقول: إنَّ البعير قد سُرِقَ مع حِمْلهِ. فخرجوا لاقتفاء الأثر، فلم يجدوا فرصةً لسرقة الجَمَل اِذْ تركوه في البرية وهربوا، وكان الصندوق ملكاً للحاج ميرزا محمّد صِهْر الحاج محمّد صادق الأصفهاني التاجر المعروف. تحرّكت هذه الجِمال وسارت كَسَيْر النملة من الليل حتى الصباح. لأجل صلاة الصبح نزلنا أرضاً جميلة، فيها كلّ أنواع الورود والزروع، وكان يكثر فيها الخطمي الوردي والزّهور الصفراء. كانت الصحراء كالزمرد الأخضر بعد طلوع الشمس. ومع أنَّ الأرض هنا رَمليّة، فإنّه بقدرة اللّٰه نَبَتت كلّ هذه النباتات من خلال قطرتَيْن.
ويبدو أنَّ المطر لم يهطل في هذه البلاد منذ أربع سنوات، والحمد للّٰهفإنّه بسبب قدوم الحجّاج الميمون هذه السّنة هطلت أمطار كثيرة مفيدة.
بقيت أربع فراسخ حتى مدينة جدّة، جاء القُنصل للاستقبال. وقد أصرَّ كثيراً علينا للذهاب إلى القُنصلية. ولأنه لم يكن لديه عيال (زوجة) فلهذا السّبب لم أذهب. لقد أبدىٰ منتهى الأدب.