257كانت تثير تهكّم البدو لجهلهم بها 1. .
لم يكن التجار القرشيّون يجمدون أموالهم الفائضة، بل كانوا يوظفونها في مشاريع استثمارية خارج الحجاز. فقد كان آل أبي ربيعة يشغلون أنوالاً لنسج الحرير في اليمن، وكان لأبي احيحة الثري الكبير أموال موظفة في مشاريع زراعية في الطائف، ولأبي سفيان أملاك وولايات تجارية في شرق الأردن وفلسطين، ولعقبة بن أبي معيط مركز تجاري في مدينة صفورية بفلسطين. ومن الدراسات التي قام بها بعض المستشرقين يستدل علىٰ أنّ تجار مكّة كانوا يراعون بعض المعاملات التجارية المالية، ويذكر الباحثون بعض الطرق التي كانوا يتبعونها، مثل طريقة عقد القرض، وطريقة الشراكة والمضاربة، إذ كانت تكتب بها صكوك، فيقدّم امرؤٌ مالاً ويأخذ ربحاً، فيصبح شريكاً مضارباً، دون أن يشترك في العمل.
وكثيراً ما كان الفقراء أو البدو البسطاء ضحية أساليب الغش، التي يلجأ إليها التجار من ذوي الضمائر الفاسدة، أو الصيارفة الجشعون، الذين كانوا يقرضون المال بفائدة فاحشة تزيد عن (50 في المائة) أو حتىٰ (مائة في المائة) أو السماسرة والوسطاء المريبون، الذين يبتغون جمع الأموال دون ما حاجة إلىٰ رأس مال 2، كما كانوا فريسة للمزورين الذين يكتبون بالقروش المؤداة إلى المدين مستندات يسجلون فيها ضعف المبلغ الذي يؤدونه له، والذين كانوا يستعملون أساليب لا حصر لها في الخداع والغش، فيحصلون علىٰ فوائد القروض مضاعفة، وتضاعف كلما تأخر المدين عن أداء الدين السابق، وهو الذي عبّر عنه التنزيل الحكم باسم (الربا) وحرّمه. ومن التجارة التي راجت في مكّة تجارة الرقيق، فأصبحت أكبر سوق لها، كما اصطبغت مكّة بصبغة دولية، لكثرة ما كان يرتادها من غرباء جاءوا من أمم ومن أصقاع مختلفة، وأصبحت تعجُّ بهم عجّاً، بينهم فرس وروم وأحباش وزنوج، كما كان منهم النصارىٰ واليهود، يشكلون جاليات جاء أفرادها للتجارة أو للعمل اليدوي في البناء والزراعة والصناعة، أو جاء بعضهم هرباً من