256كما كان يأتي إلىٰ مكّة قلة تجار أجانب من روم وفرس وغيرهم سكنوا فيها، وخالطوا أهلها؛ وتحالفوا مع أثريائها، وأقام بعضهم فيها لقاء جزية سنوية يدفعونها لهم، لتأمين حمايتهم ولحفظ أموالهم وتجارتهم. وقد اتخذ بعض التجار الأجانب مستودعات فيها، لخزن بضائعهم التي يأتون بها كالقمح والزيت والزيتون والخمور 1، وقد أدّىٰ اختلاط قوافل تجار العرب من قديم الزمن بعرب الشام وغيرهم، إلىٰ تسرّب كثير من الكلمات التجارية والحضارية من يونانية وغير يونانية إلى لغة العرب فتعربت بمرور الزمن في العهد الجاهلي 2. ومما يدل علىٰ اهتمام الحجازيين بالتجارة كثرة الكلمات والعبارات المجازية، التي وردت في القرآن الكريم، سواء فيما يتعلق بالتجارة مثل الحساب والميزان والقسط والمثقال والذرة والقرض والربا والدينار والدرهم الخ. . . أو فيما يخاطب التنزيل الحكيم قريشاً باللغة، التي تفهمها وهي التجارة، من ذلك الآيات الكريمة: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم علىٰ تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون باللّٰه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّٰه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 3.
يقول (درمنجهايم) : إن القرشيين قد تميزوا عن العرب جميعاً بحسن تذوقهم للعمل التجاري، فدعموا عملياتهم التجارية بتنظيم مالي ومصرفي مدهش، واستعملوا عملات مختلفة منها الدينار البيزنطي، الذي كان له المقام الأول في شبه الجزيرة، ومنها عملات يونانية أو فارسية (الدرهم الفضي الفارسي) ، أو حميرية كما كان لهم موازين عامة، ويعتقد بأنهم استعملوا الميزان ذا الكفتين، كما يستدل من بعض الآيات الكريمة، ومكاييل (صاع، مد، ربع صاع) أشار إليها القرآن الكريم.
وكان لهم موازين خاصة دقيقة يزنون بها السبائك الذهبية الخام، ومكاييل خاصة يكيلون بها مساحيق الذهب. وقد عمد التجار المكيّون إلىٰ استعمال دفاتر حسابات تولوا مسكها، كما استعملوا أختاماً وأساليب معقدة ورموزاً في الكتاب