255وتوفير الأمان لها وحسن الجوار 1. أشبه شيء بالاتفاقات التجارية، التي تعقد بين الدول في أيامنا الحاضرة، ووفقاً لهذه العهود يتاح للتجار القرشيين التنقل في البلاد التي تعقد معها دون أن يعترضهم أحد، كما يتاح لأيدولة منها إذا شاءت أن تراقب الوافدين إليها. فالقوافل العربية التي كانت تقصد الشام كانت تتسوق من أسواق عينتها الحكومة البيزنطية لتحصّل منها الضرائب، ولتراقب الوافدين الأجانب إلىٰ بلادها 2.
وقد اعتمد الروم البيزنطيون علىٰ تجارة مكّة في كثير من شؤونهم ووسائل ترفهم، ولا سيما في الحصول على الأقمشة الحريرية المزركشة الموشاة، ولم يكن بوسعهم الاستغناء عمّا يأتونهم به. وقد ذكر بعض مؤرخي الغرب أنه كان للبيزنطيين بيوت تجارية في مكّة يستخدمونها للشؤون التجارية وللتجسس علىٰ أحوال العرب 3. .
وتقاسم بنو عبد عوف النشاط التجاري في مختلف البلدان المجاورة، فكان هاشم الذي يروىٰ أنه قد حصل علىٰ عهد أمان من القيصر البيزنطي لتجار مكّة، يذهب الى الشام، وعبد شمس الذي حصل علىٰ عهد مماثل إلى الحبشة، والمطلب الى اليمن، ونوفل إلىٰ فارس، وكلّ منهما حصل علىٰ عهد (ايلاف) من كلّ من ملكي اليمن وفارس 4. وقد نشطت التجارة في عهد عبد المطلب بن هاشم، وازدهرت مكّة وأصبحت مركزاً للصيرفة، كما يقول المستشرق (أوليدي) ، ويمكن أن يدفع فيها التجار أثمان السلع، التي يُتّجر بها مع بلاد بعيدة، وكانت عمليات الشحن والتفريغ للتجارة الدولية تتم في مكة، ويجري فيها التأمين على التجارة عند نقلها من مكّة إلىٰ مختلف الجهات عبر طريق محفوفة بالمخاطر 5. وقامت طبقة من الصيارفة، يؤمنون للتجار عملات الدول الأجنبية التي يتعامل معها القرشيون.
ومثلما كان لبيزنطة وفارس، وربما للحبشة أيضاً، ممثلون تجاريون في قلب مكّة، كان لمكّة أيضاً وكلاء تجاريون في أماكن مختلفة مثل غزة والشام ونجران.