258الاضطهادات الدينية في بلادهم الأصلية، مثل المسيحيين واليهود، وهذا ما يفسر لنا ما دخل لغة قريش من ألفاظ رومية أو فارسية أو حبشية وغيرها 1.
أسواق العرب:
كان للعرب أسواق تجارية عامّة، يقصدها الناس من شتىٰ أنحاء شبه الجزيرة للبيع والشراء. وقد اختيرت لها الأماكن المناسبة، من حيث الاتساع والقرب من المدن المتحضرة وتوفر الماء. وهي تكون عادة محاذية للسواحل، حيث المنخفضات، التي تتجمع فيها السيول الهابطة من المرتفعات المجاورة، أو مجاورة للوديان التي تتوفر فيها الينابيع، أو متمركزة في واحات هي في الوقت نفسه محطات للتزود بالغذاء والماء، ومراكز تجارية ترتادها القوافل للبيع والشراء والراحة. ولم يكن عرب شبه الجزيرة فقط هم الذين يقصدون هذه الأسواق، بل كان يأتيها تجار من خارج البلاد. فقد كان الروم مثلاً يتوغلون الىٰ مسافات بعيدة في أراضي العرب الشاسعة للبيع والشراء 2.
من هذه الأسواق ما هو دائم، ومنها ما هو موسمي مؤقت، يعقد في شهر معين من السنة، ومنها ما هو عام يرتاده العرب من شتىٰ أنحاء شبه الجزيرة، أو ما هو محلي يتم فيه التبادل بين التجار والبدو المجاورين. ومع أن هذه الأسواق اقيمت لغاية أساسية هي التجارة وتبادل السلع المختلفة من طعام وشراب وثياب وسلاح وخيل وإبل، غير أنها لم تكن تقتصر علىٰ هذا الأمر، بل كان الشعراء والخطباء والمبشرون الدينيون من مسيحيين، وغيرهم يقصدونها للمباراة في الشعر والخطابة وبث الدعوات الدينية. ومما يُرىٰ أن الرسول صلى الله عليه و آله كان يخرج إلىٰ هذه الأسواق، ويعرض دينه على القبائل العربية، التي ترتادها لهدايتهم. وربما جاء أحدهم ليبحث عن غريم، أو عن عبد هرب من داره، أو عن دابة سُرقت له 3، أو ليسعىٰ. وفي هذه الأسواق، لا سيما في سوق عكاظ، كان العقلاء ينتهزون فرصة التقاء الزعماء من شتى القبائل، ليوفّقوا بين المتخاصمين منهم والمتنازعين،