254عدد الإِبل السائرة فيها إلىٰ أكثر من (1500) بعير، شاهد (استرابون) إحداها فقال: إنها أشبه بجيش سائر، إذ يرافقها حراس يتراوح عددهم بين (200 - 300) مسلح 1.
والواقع أن تجارة قريش كانت تسير بقوافل لضمان حماية الأموال، إذ يرافقها رؤساء وحراس وأدلّاء يقل عددهم أو يكثر، بحسب قلة الأموال الثمينة التي تحملها أو كثرتها.
ويختار الادلّاء من القبائل التي تمرّ القافلة في أراضيها، لأنهم أعلم بطرقها من غيرهم، وأكثر خبرة بمواطن الماء والكلإ، وأكثر علماً بمكامن الخطر الذي قد تتعرّض له القافلة، كوجود عوارض طبيعية، يمكن أن يتخذها اللصوص وقطاع الطرق كمائن للإغارة عليها. كما يحرص المكيّون علىٰ أن يكون رؤساء القوافل وحراسها، من الشجعان القادرين علىٰ تأمين حمايتها. ويعقدون الاتفاقات مع رؤساء القبابل التي تمرّ القوافل في أراضيهم، ويدفعون لهؤلاء الرؤساء أتاوات وهدايا كي يسمحوا لها بالمرور، ويتعهدوا بحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق، حتىٰ إذا تعرض للقافلة أحد من هؤلاء بسوء، كان من واجب الرئيس المتعاقد معه، الذي يقع الاعتداء في منطقته، أن يتعقب المعتدين ويؤدّبهم، وأن يعيد الأشياء المنهوبة إلىٰ أصحابها. وكان التجار يضيفون مبالغ هذه الأتاوات والهدايا إلىٰ أسعار مبيع البضائع، الأمر الذي يجعلها غالية الثمن. وكثيراً ما كان أصحاب البضائع يلجأون إلى الوسائل المعنوية لحماية تجارتهم، مثل تقديم الهدايا والقرابين للآلهة عند مغادرة قوافلهم أو عند عودتها، وقد اتخذ بعض الأقوام كالانباط والتدمريين إلهاً خاصاً لحماية القوافل (ذو الثرىٰ) عند الانباط و (ساعي القوم) أي حامي القوافل عند التدمريين.
ويعقد القائمون على الحكم العهود والمواثيق مع رؤساء وحكام الدول المحيطة بهم، التي تقصدها قوافلهم، وهي التي تخوّلهم حقّ المرور في أراضيهم والاتجار فيها