253أيدي الأحباش، قد أدّى إلىٰ خروج مقاليد التجارة من أيدي اليمنيين، وانتقالها بطبيعة الحال إلىٰ أيدي المكيّين، فعوّضتهم التجارة ما حرمتهم الطبيعة من موارد الزراعة، بسبب كون الحجاز اقليماً يسوده الجفاف والفقر في النبات.
أسهم المكيّون إضافةً إلىٰ نشاطهم التجاري الداخلي، في التجارة العالمية، فتاجروا مع مصر والحبشة، عبر البحر الأحمر عن طريق ميناء الشعيبة؛ الذي كان ميناءً لمكّة في العهد الجاهلي ومع اليمن، ولا سيما بعد أن نظّم هاشم بن عبد مناف رحلتي الشتاء والصيف، الأولى إلى اليمن والثانية الى الشام، فجعلهما منتظمتين 1. .
وكان لقريش عداهما رحلات تجارية تسير في أوقات مختلفة غير معينة، فأرسل المكيّون قوافلهم إلىٰ أسواق الحيرة، كما أرسلوها إلى الشام، يحملون إليها بضائع الهند من مجوهرات وتوابل وأقمشة نادرة، وبضائع الصين من ملابس حريرية مترفة للأباطرة والرهبان ورجال البلاط، ومن عطور وبضائع شرقي أفريقيا ومن ريش نعام وعاج ومسحوق الذهب وصموغ للكنائس، علاوة علىٰ صادرات الجنوب العربي من بخور ولبان وجلود ومعادن ثمينة وعطور 2، ويعودون منها بالحبوب والزيوت والخمور، والمنسوجات القطنية والكتانية، والحريرية، وحتى بالأسلحة التي كانت بيزنطة تفرض الحظر علىٰ تصديرها، فيلجأ العرب إلىٰ تهريبها. وكان ارتحال القوافل أو قدومها يثير ضجّة عظيمة في مكّة، فما أن يعلن عن قدوم إحداها حتىٰ يهب سكانها في شبه هيجان، ويستقبلوها بالدفوف والهتافات 3، لم تكن تجارة قريش ضيقة المجال، بل كانت عظيمة الاتّساع، ولم تكن قوافلها ملك أفراد، بل كانت تعبيراً عن آمال مدينة بأسرها، تحمل أموالاً لأهل مكّة جميعاً، منهم من يسافر معها، ومنهم من يستأجر رجالاً يقومون بهذه المهمة، ويسهم الجميع في رأس مالها، وقد تبلغ قيمة أسهم أحدهم كأبي أحيحة بن سعيد بن العاص بن أمية، وهو من أبرز أثرياء مكّة، (ثلاثين ألف دينار) ، وقد لا يتجاوز سهم أحد الفقراء منهم نصف دينار. ويصل