252تذبذب عواصمها، وانتقالها تبعاً لانتقال الأهمية التجارية من مكان إلىٰ آخر، حتىٰ أن سقوط بعض الدول ونشوء غيرها، سواء في الجنوب أو في الشمال، كان على الغالب مبنياً علىٰ أساس ازدهار التجارة في الدولة الجديدة الناشئة، وانحطاط التجارة لدى الدولة الزائلة بسبب تحوّل الطرق التجارية عنها، وانحيازها الى الدولة الناشئة. وفضلاً عن ذلك، فإن العامل التجاري قد كيّف سياسة الدول الأجنبية المحيطة بشبه جزيرة العرب، وحدّد موقفها تجاه بعض الدول التي قامت فيها، إذ طمعت فيها كلّ من بيزنطة والحبشة، وصمّمت إمّا علىٰ انتزاع مقاليد التجارة من يدها، بالسيطرة على المسالك التجارية الهامة التي تصلها بالشرق الأقصىٰ، أو باحتلالها. والواقع أن بعض أطراف شبه الجزيرة قد رزحت تحت الاحتلال الحبشي. . 1. .
تجارة مكّة:
يقول (درمنجهايم) : إنّ الازدهار التجاري الذي تصيبه شبه جزيرة العرب بعامّة ومكّة بخاصة، كان مرتهناً بطريق الهند، فبحسب أن يمرّ الطريق إلى الهند من الشمال عبر وادي الرافدين - فارس - أفغانستان أو من الجنوب والغرب، عبر شبه جزيرة العرب والخليج واليمن، يكون العرب إمّا فقراء أو أغنياء 2. والواقع أن مكّة قد استفادت من وقوعها علىٰ طريق (الهند) ، ذلك أن القوافل التجارية الآتية من (اليمن) ببضائع (الهند) ، والذاهبة إليها، كانت تمرّ فيها بوصفها محطة تجارية، لابدّ لها من النزول فيها. كما أعان علىٰ ازدهار مكّة وارتقائها من محطة تجارية إلىٰ مدينة عامرة تدهور العلاقات بين ايران وبلاد الشام البيزنطيتين، ونشوب حروب طويلة بين الطرفين، في القرنين اللذين سبقا ظهور الإسلام، مما أدى إلىٰ تعطيل التجارة بين بلاد الشام والهند عبر ايران وأفغانستان، وإلىٰ انتقال النشاط التجاري إلىٰ شبه جزيرة العرب، وخاصة إلىٰ ساحلها الغربي الواقع على البحر الأحمر، فاتّجه المكيون إلى التجارة، وانصرفوا إليها بكليتهم، ولا سيما أن سقوط اليمن في