184«بيتز» هو «قول مبني على الرغبة لا على الحقيقة، إن لم يكن كاذباً زائفاً ريائيّاً» 1.
وعلىٰ طريقة: «شهد شاهد من أهلها» ، فإن انطباعاً سلبيّاً يقفز لدىٰ كلّ منصف يبتغي الحقيقة والموضوعية، حينما يطالعه عنوان كتاب بيتز: «وصف أمين لديانة وأخلاق المحمديين» . فالأمانة قد خانت هذا الأوروپي المسكون بهواجس العبودية والأسر، في الكثير من محطات الكتاب، ثم إن اطلاق اسم المحمديين على المسلمين هو في الواقع تسمية خاطئة وتشبيه خاطئ بالمسيحيين والمسيحية. إنّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه و آله لم يزعم لنفسه الالوهية بل ولا حتىٰ موهبة العلم بالغيب أو صنع المعجزات. على العكس فقد جزم طيلة حياته وباطراد أنه إنسان فان. لذا فإن اسم الدين بالنسبة لمعتنقيه هو الإسلام لا المحمدية، والمؤمن برسالة محمد صلى الله عليه و آله لا يسمّي نفسه محمديّاً بل مسلماً 2.
وفي هذا السياق، فان من الواضح - والفاضح معاً - انتماء آراء بيتز إلىٰ عالم التحيّز، الذي كان سائداً، وما يزال، في الوسط الغربي حيال الشرق، والمشرق الاسلامي بالذات، وعلىٰ حد قول ادوارد سعيد؛ كان كلّ رحالة أو مقيم أوروپي في الشرق، وما يزال، مضطراً إلىٰ أن يحمي نفسه من تأثيرات الشرق المقلقة 3.
وهذا ما يدعونا إلىٰ طرح تساؤل خطير: هل كان الكتاب من وحي أفكار بيتز الخاصة؟ وتتأتىٰ أهمية هذا التساؤل حينما نعلم أن «بيتز» عاش في أسر العبودية منذ كان عمره 15 سنة، فكيف تسنّىٰ له تثقيف نفسه واعدادها، خاصة وأنه عانىٰ حقبة مريرة من المعاناة والاضطهاد من سيّده الأول الذي اتسم بالفظاظة والعربدة، كما يعترف «بيتز» نفسه. . . ؟ !
وبعبارة أخرىٰ؛ لو تلقّىٰ «بيتز» ، كغيره من معظم الرحالة الذين جابوا المشرق الاسلامي، الحد الأدنىٰ من أسلحة المعرفة المطلوبة لكلّ ذي مهمة خطيرة، كاختراق الديار المقدسة في الحجاز، لكانت محاولته أمراً طبيعياً وغير