45مستحسن، حثّ عليه الشارع في آيات كثيرة - فقال: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً 1.
ونهى القرآن عن التبذير أيضاً بأسلوب شديد اللهجة، فعرّف المبذّرين بأنّهم إخوان الشياطين حيث قال: وآتِ ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً إن المبذّرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربّه كفوراً 2.
وقد وقع الكلام بين المحقّقين في بيان الفرق بين الإسراف والتبذير، والّذي يظهر - من خلال الدقّة والتأمّل - أن الإسراف بمعنى الخروج عن حدّ الاعتدال والاقتصاد من دون تضييع شيء بحسب الظاهر كلبس الثياب الثمينة القيّمة، الّتي تساوي قيمتها أضعاف قيمة الثياب العادية مئات المرّات مثلاً، فهو إسراف، وفي نفس الحال لم يضيّع شيء، ولكن التبذير هو ما يؤدي الىٰ تضييع نعم اللّٰه تعالىٰ، كما اذا هيّأ لعشرة أشخاص مثلاً طعام خمسين شخصاً بحيث يطرح الزائد ويفسد.
هذا هو الفرق بين الكلمتين، الذي يفسّره المعنى اللغوي لهما، وربما اتحدا واستعملا في معنى واحد.
ثمّ إن دائرة مفهوم الإسراف أو التبذير واسعة بحيث تشمل أخسّ الأشياء، فضلاً عن الموضوعات المهمّة والأشياء الثمينة، فقد جاء في حديث داود الرقّي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:
«إن القصد يحبّه اللّٰه عزّوجل، وإن السرف يبغضه، حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء، وحتّى صبّك فضل شرابك» 3.
وفي حديث بشر بن مروان، قال: «دخلنا على أبي عبد اللّٰه عليه السلام فدعى برطب، فأقبل بعضهم يرمي بالنوى، قال: فأمسك أبو عبد اللّٰه عليه السلام يده، فقال: لا تفعل، إنّ هذا من التبذير، واللّٰه لا يحبّ الفساد» 4.
وفي حديث مكارم الأخلاق عن الصادق عليه السلام:
«أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء، وابتذال ثوب الصون،