44
إن قيل: مقتضى القاعدة عند تعذّر الذبح بمنى، وإن كان جواز الذبح في أيّ مكان آخر يختاره الحاجّ، إلّاأن هذا إنّما يصحّ القول به لو لم يتوفر دليل علىٰ ثبوت بدل اضطراري بمنى، والدليل علىٰ ذلك موجود، وهو موثق سماعة في قوله: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:
«إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الىٰ وادي محسّر» 1فإنّ المتفاهم العرفي من هذه المعتبرة قيام وادي محسّر مقام منى عند كثرة الحجّاج، وضيق منى عن استيعابهم في جميع ما هو وظيفة الحاجّ فيها، حتّى بالنسبة إلىٰ ذبح الأضحية.
قلنا: هذا الاستدلال ضعيف جدّاً؛ لأن ظاهر الرواية أنها واردة في مورد الوقوف في منى، لا مطلق ما يؤتى به في منى، وحينئذ قياس الأضحية على الوقوف قياس مع الفارق، فإنّ الوقوف قائم بمنى نفسها، فإنه لا معنى للوقوف في غيرها، فعند التعذّر يرتفع الحاج بمقتضى هذه الرواية الىٰ وادي محسّر، وأما الأضحية فقد عرفت أنه قد تتّفق في غير منى أيضاً، فقياسها على الوقوف قياس مع الفارق، وهو غير جائز عندنا.
الأمر الثالث: حرمة الإسراف و التبذير
إن القرآن الكريم نهى عن الإسراف نهياً شديداً، وواجه المسرفين مواجهة عنيفة، فقال تبارك وتعالىٰ في سورة الأنعام: ولا تسرفوا إنّه لا يُحب المسرفين 2وقال في تعبير أشدّ في سورة غافر: وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار 3وقال في آية أخرىٰ من هذه السورة: إن اللّٰه لا يهدي من هو مسرف كذّاب 4، وفي سورة الأنبياء جعل الإسراف من دلائل الهلاك والمحق وقال: وأهلكنا المسرفين 5، بل جعل في سورة الفرقان عدم الإسراف حتى في الإنفاق من علائم عباد الرحمن - مع أن الإنفاق عمل مطلوب