192عباس: يريد حراماً محرماً لا يصاد طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلىٰ خلاؤه، وإلىٰ هذا المعنى يؤول ماروي عن الصادق عليه السلام من قوله: «من دخل الحرم مستجيراً به فهو آمن من سخط اللّٰه عزّوجلّ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتىٰ يخرج من الحرم» . وقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة: «إن اللّٰه تعالىٰ حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلىٰ أن تقوم الساعة، لم تحلّ لأحد قبليولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحل لي إلّاساعة من النهار» فهذا الخبر وأمثاله في روايات أصحابنا تدلّ علىٰ أن الحرم كان آمناً قبل دعوة إبراهيم عليه السلام وإنما تأكدت حرمته بدعائه عليه السلام.
وقيل: إنّما صار حرماً بدعائه عليه السلام وقبل ذلك كسائر البلاد، واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه و آله: إن إبراهيم حرّم مكّة، وإني حرمت المدينة. وقيل: كانت مكّة حراماً قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراماً بعد الدعوة:
فالأول: بمنع اللّٰه إياها من الاصطدام والائتفاك 1كما لحق ذلك غيرها من البلاد، وبما جعل ذلك في النفوس من تعظيمها والهيبة لها.
والثاني: بالأمر بتعظيمه على ألسنة الرسل، فأجابه اللّٰه تعالىٰ إلىٰ ما سأل، وإنّما سأله أن يجعلها آمنة من الجدب والقحط؛ لأنه أسكن أهله بوادٍ غير ذي زرع ولا ضرع، ولم يسأله أمنها من الإئتفاك والخسف الذي كان حاصلاً لها، وقيل:
إنّهُ عليه السلام سأله الأمرين علىٰ أن يديمهما وإن كان أحدهما مستأنفاً والآخر قد كان قبل. . . ثمّ سأل لهم الثمرات ليجتمع لهم الأمن والخصب فيكونوا في رغد من العيش 2.
وقد تقدم قول السيد السبزواري بهذا الخصوص.
أمّا الفخر الرازي فقد ميّز بين شيئين بين كون الآية جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً خبراً وهو ما يراه، وبين أنها أمر في حالة صرفها عن ظاهرها، ويترتب علىٰ كل من القولين مراد، فيقول: