190ورغد العيش. . وكانت مكّة وما يليها حين ذلك قفراً لا ماء ولا نبات، فبارك اللّٰه فيها. . وأنبت فيها أنواع الثمرات. .
الثانية: اختلف العلماء في مكّة هل صارت حرماً آمناً بسؤال إبراهيم أو كانت قبله كذلك؟ علىٰ قولين:
أحدهما - أنها لم تزل حرماً من الجبابرة المسلّطين، ومن الخسوف والزلازل، وسائر المثلات التي تحل بالبلاد، وجعل في النفوس المتمرّدة من تعظيمها والهيبة لها ما صار به أهلها متميزين بالأمن من غيرهم من أهل القرىٰ، ولقد جعل فيها سبحانه من العلامة العظيمة علىٰ توحيده ما شوهد من أمر الصيد فيها، فيجتمع فيها الكلب والصيد فلا يهيج الكلبُ الصيدَ ولا ينفر منه، حتىٰ إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه وعاد إلى النفور والهرب.
وإنّما سأل إبراهيم ربّه أن يجعلها أمناً من القحط والجدب والغارات، وأن يرزق أهله من الثمرات؛ لا علىٰ ما ظنه بعض الناس أنه المنع من سفك الدم في حق من لزمه القتل، فإن ذلك يبعد كونه مقصوداً لإبراهيم صلى الله عليه و آله حتىٰ يقال: طلب من اللّٰه أن يكون في شرعه تحريم قتل من التجأ إلى الحرم؛ هذا بعيد جداً.
ثانيهما: أن مكّة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد، وأن بدعوته صارت حَرَماً آمناً، كما صارت المدينة بتحريم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أمناً بعد أن كانت حلالاً.
وراح القرطبي يذكر أدلّتهم بقوله:
احتج أهل المقالة الأولىٰ بحديث ابن عباس قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرّمه اللّٰه تعالىٰ يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللّٰه تعالى إلىٰ يوم القيامة، وأنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلّا ساعةً من نهار، فهو حرام بحرمة اللّٰه إلىٰ يوم القيامة لا يعضد 1شوكه، ولا يُنفر صيدُه، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يُختلى خلاها 2. فقال العباس: يا