189تفريغ للأمن من محتواه الأوسع والأعظم والأنفع للناس جميعاً. والصحيح أن الأمن يراد منه كل ما هو يدفع الخوف عن ساكني الحرم سواء أكان خوفاً من الانتقام أو خوفاً من القتل والقتال أو من الحدّ أو من السرقة أو من الجوع أو من أي شيء آخر يدعو لعدم الاستقرار والطمأنينة ويثير الرعب والهلع في النفوس. . فحينما نقول هذه منطقة آمنة يفهم منها الناس أو العرف أنها بعيدة عما يثير الخوف والرعب. .
كما أن التواجد في هذه المنطقة ورعاية أحكامها وأداء مناسكها بإخلاص وصدق قد يكون ذلك نجاة للإنسان من عذاب الآخرة، وأماناً له من عقابها.
وموضعاً للتزود من أجر الآخرة وثوابها، فهي إذن يمكن أن تكون أيضاً أماناً من العذاب. منطقة هيّأها اللّٰه تعالىٰ لعباده؛ ليستجلبوا فيها منافع الدنيا والآخرة وليتذوقوا فيها طعم الأمان والاستقرار وكذلك حلاوة الإيمان والطاعة، وبالتالي أجر ذلك في الآخرة وهو أجر عظيم وثواب جزيل.
فالحرم منطقة آمنة ومثابة للناس تتوفر بها كلّ مقومات الأمن والسلامة، ويشعر فيها الإنسان بكامل حريته وبنعمة الأمان والإيمان شريطة محافظته ورعايته لقوانينها وأحكامها، وإذا ما أساء إليها وانتهك حرمتها يعاقب بما يناسب مخالفته ومعصيته في الدنيا وفي الآخرة. فهو أمن وأمان ومأمن ينبغي على الناس بل يجب عليهم حفظه ورعايته لتحصل آثاره، ويجنوا ثماره.
أما حصرها بهذا المراد (المنع من التشفي والانتقام أو من إقامة الحد فقط) يعني وكأنها شرعت للقتلة وللجناة دون غيرهم!
وقال القرطبي 1في تفسير هذه الآية: وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً. . . :
وفيه ثلاث مسائل، ونحن نذكر منها مسألتين يخصّان المقام.
الأولىٰ: قوله تعالىٰ: بلداً آمناً يعني مكّة، فدعا لذريته وغيرهم بالأمن