163المسكونة بأهلها، وفي جواز كراء هذه البيوت عند من أجاز ملكيتها، فذهب الشافعي رحمه الله إلىٰ أنّها تملك وتورث وتؤجر محتجّاً بما ثبت من أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية داراً بمكة بأربعة الآف درهم فجعلها سجناً، وذهب اسحق بن راهويه إلىٰ أنّها لا تورث ولا تؤجر، وقال: توفي رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وأبو بكر وعمر وما تدعىٰ رباع مكّة - جمع ربع - إلّاالسوائب، من احتاج سكنَ ومن استغنى اسكن. وقال عبد الرزاق عن مجاهد عن أبيه عن عبداللّٰه بن عمر أنه قال:
لا يحل بيع دور مكة ولا كرؤها، وقال أيضاً عن ابن جريج: كان عطاء ينهي عن الكراء في الحرم، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن تبويب دور مكّة؛ لأن ينزل الحاج في عرصاتها. . . . وتوسط الإمام أحمد فقال: تملك وتورث ولا تؤجر جمعاً بين الأدلة» 1.
4 - السلطة علىٰ مكّة
ونحن إذا ما تمعنّا في الآية أكثر، وجدناها تنطوي علىٰ أبعاد هامة وجديرة بالدراسة المستفيضة، فمن الواضح أنّها في سياق إبراز خصوصية لمكة، وبيان ما تمتاز به عن سائر المدن والأماكن. وهي خصوصية تساوي جميع المسلمين في العالم من حيث ما لَهم من الحقّ فيها، وإنّ نسبة الجميع إليها واحدة سواء كان عاكفاً فيها ومن أهلها أو نائياً عنها سواء العاكف فيه والباد ، وهذا يعني بالنتيجة أنّ المسلمين لا يتساوون في المدن والبلدان الأخرىٰ، ففي مدينة كبغداد وبلد كالعراق لابدّ من التسليم بحقّ خاص لأهالي هذه المدينة وسكان هذا البلد فيه بحيث لا يتساوىٰ غيرهم معهم فيه، وإن كان الغير مسلماً، وليس ذلك إلّاحقّ إدارة المدينة أو البلد المذكور من قبل أهله ضمن قوانين الإسلام وأحكامه، ومن الطبيعي أن هذا الحقّ محفوظ لهم ما دام الحكم القائم إسلامياً. فإن اخلوا بذلك سقط هذا الحقّ الذي يعبّر عنه بالاصطلاح السياسي الحديث ب «حق تقرير المصير» وأصبح