109أولويات الاهتمام الغربي بالجزيرة العربية. فقد كان لظهور الإسلام - الذي تفجّرت ينابيعه من بطاح مكّة ووهادها القاحلة، وللمعجزة الخالدة التي حقّقها (النبيّ) محمد صلى الله عليه و آله والمهتدون بهديه، في نشر الإسلام، بمثل تلك السرعة الخاطفة، في الخافقين - صدًى ما زال يرنّ في الغرب، ويدوّي في أرجائه. فراح علماؤه ومستشرقوه يبحثون في كل ماله علاقه بهذه الدعوة، التي اهتدى المسلمون بهديها، واستضاءُوا بنورها، فأخذ العالم يدرس أحوال مكّة التي انبثق منها ذلك النور، ويمحّص المؤرخون جميع ما يمتّ إليها بصلة. وقد بلغ من اهتمام الغربيين بمكّة أن دخل اسمها في لغتهم، وأصبح كلمة خاصة تدرج في القواميس، لتدل على الجهة التي يتوجّه إليها الناس، أو يقصدونها بصفة دائمة.
لم يكتفوا بذلك فقط، وإنّما شدّ لها الرحالون الغربيون رحالهم أيضاً، وقصدها السيّاح والمسافرون منهم، فجازفوا بأنفسهم وأرواحهم؛ ليدخلوا فيها ويحجّوا إليها متنكّرين. وقد حالف التوفيق عدداً منهم، وفشل كثيرون غير هؤلاء، فتكونت ممّا كتبوه ودونوه، عن تلك الدراسات والمجازفات، ثروة علمية يصعب على الباحث أن يحيط بها كلّها، ولا سيّما أن ما كتب لم يكن في لغة واحدة، من اللغات الغربيّة الحيّة، وإنّما كتب بلغات عدّة أخصّها؛ الانكليزية، والألمانية، والفرنسيّة.
ولا يخفىٰ أن الدوافع التي تدفع الغربيين إلى الاهتمام بمكّة، وما يتصل بها من شؤون، أو الكتابة عنها، هي دوافع معروفة أهمها: الأغراض التبشيرية، أو البحث العلمي، أو المجازفة والتطويح، أو التجسس والأغراض السياسية في الغالب 1.
المغامرون يتقاطرون على الشرق
صحيح أن جزيرة العرب ورد ذكرها في بعض المصادر الغربية، ومنذ وقت