108قد استحوذت عليه الدول الأوروبية، أو خلقت فيه مناطق نفوذ سياسية أو اقتصادية. ففي الخليج الفارسي كانت بريطانيا تتسلل تدريجياً، منذ فترة مبكرة، خاصة بعد انتصار الاسطول البريطاني على الاسطول الأسباني، في معركة «الارمادا» عام 1588م، وتأسيس شركة الهند الشرقية عام 1600م، حيث أخذت الشركة تستولي علىٰ إمارات الساحل العربي في الخليج الفارسي، وتطوّر علاقاتها مع كل من ايران والعراق.
ومن المعلوم أن معظم الشمال الأفريقي قد سقط بيد الاحتلال الفرنسي، ابتداءً من عام 1830، واحتلت روسيا القيصرية المناطق الإسلامية في آسيا، ولم يبق بيد الدولة العثمانية إلّاالأناضول والعراق والشام والجزيرة العربية. أما مصر فقد خرجت من السلطة الحقيقية للدولة العثمانية، منذ عام 1798م، حين غزاها نابليون بونابرت. ولكنّها بقيت علىٰ شبه ولاء، حتىٰ جاء عام 1882م، لتصبح ضمن ممتلكات الاستعمار البريطاني.
وكانت الخطة الأوروبية للاستيلاء على العالم الإسلامي، تتمثّل بالاحتلال العسكري التدريجي، أو التعامل الاقتصادي، أو التسلل من خلال التبشير، أو الرحالة الجغرافيين، أو إيجاد العملاء المحليين، حيثما كان ذلك ممكناً. وبدون ذلك ما كان يسهل لأوروپا أن تدخل في صراع مباشر، مع العالم الإسلامي الواسع الأرجاء، والذي يملك حصانة دينية متينة، تعضدها روح جهادية تخيف أوروپا وتقلقها.
من أجل ذلك، كانت المنطقة العربيّة من أكثر المناطق الإسلامية اهتماماً من لدن الأوروبيين، نظراً للموقع الاستراتيجي والتأريخي، وكانت الجزيرة العربية بؤرة هذا الاهتمام الذي سيعجّل من رجحان كفّة الأوروبيين، وتمزيق العلاقات العربية - العثمانية 1.
وبديهي أن تحتل مكة المكرمة والمدينة المنورة موقع الصدارة في قائمة