110بعيد، إذ ذكرها في كتبه مؤرخ القرن الخامس قبل الميلاد، هيرودوتس، وكذلك تحدّث ثيوفرست تلميذ أرسطو حديثاً شيّقاً عن طيوب بلاد العرب الشهيرة في كتابه «تاريخ النبات» ، والجغرافي اليوناني سترابون (حوالى مستهل القرن الأول الميلادي) ، والمؤرخ الروماني بليني في القرن الثاني للميلاد، الذي وضع لوائح بأسماء القبائل والمدن والقرى الموجودة في وسط شبه جزيرة العرب.
ولكن كل ما كتبه هؤلاء الكتاب لم يكن كافياً لإماطة اللثام عن حقيقة شبه جزيرة العرب، وإن كان كافياً لإثارة همّة الدول لاكتشاف ما خفي منها 1.
وفي خضم دوّامة الاحتكاكات بين الإسلام والغرب، غاب الكثير من الحقائق، وانطمس وراء ستار الدخان الكثيف، حتى آلت الأمور إلىٰ أن كل ما كان يعرفه الأوروبيون، عن جزيرة العرب، هو أن الرسول الكريم ولد بها، وفيها المدينتان المقدّستان عند المسلمين؛ مكة المكرمة والمدينة. وكان يسود بينهم اعتقاد خاطئ، بأن جثمان النبي الكريم معلّق في الهواء! ! 2وليس هذا الاعتقاد الخاطئ هو اليتيم في تصورات الغربيين عن الإسلام، فهناك ركام من الأوهام قد يصل حدّ الخرافات والأساطير، وهو ما اعترف به الكاتب «بيتر برينت» ، حينما يقول: «لقد وصلت إلينا - نحن الأوروبيين - خرافات وأساطير تصف أعداءَنا، وهم يجوبون جيئة واياباً أوروپا، ووصلت إلينا معلومات عن المشرق الإسلامي، تتّسم بطابع الإشاعات والخوف والحسد، بدلاً من البحث والاستقصاء والتبصّر بالأمور. فقد أصبحت بلاد العرب، ولا سيّما مكّة مجرد مناطق خرافية يكمن فيها الخطر، وهي أصل وقلب ذلك الدين الذي يهدّد كيان المسيحية بأسرها. فشوارعها وأرضها محظورة على الغرباء الكفّار. والسيف يحمي حماها، والتعصّب الأعمىٰ يسيطر على المدافعين عنها. وهكذا تراجعت حقيقتها عن الأوروبيين الذين لم يمارسوا أي تفكير سويّ تجاهها، بل بالعكس أصبح الرحالة الأوروبيون يخترعون حالة من الظلام، وسحابة كثيفة مفعمة،