219ثلاثين سنة أُخرىٰ. ثمّ التفت فلم أجده معي ودهشت من ذلك (55) .
علىٰ أي حال فقد رجع الحجر الأسود إلىٰ مكانه ثانية بعد غيابٍ استغرق (22) سنة وانتهت بذلك محنة المسلمين في الأرجاء كافة، وبقيت وصمة العار هذه مطبوعة علىٰ جبين القرامطة إلىٰ انقضاء الدهر.
ولا يسعنا إلّاأن نتصوّر زعماء القرامطة كأفراد وضعوا معتقدات النّاس فيما يخص المهدي وظهوره تحت تصرّفهم وسخّروها لأغراضهم الدنيئة، وكان همهم الوحيد هو الوصول إلىٰ سُدّة الحكم والرئاسة والجاه والمنزلة، وكان السخط الشديد الذي عمّ المسلمين والنّاس عموماً ضد بطش وإرهاب العبّاسيين أرضية مناسبة للقرامطة لتنفيذ أغراضهم، والدعوة الكاذبة في كونهم دعاة المهدي الموعود ممّا حدا بالكثيرين ممَّن عانوا الظلم والقهر إلى الالتفاف حولهم. واجتمع هؤلاء المخدوعون وكان اغلبهم من الفقراء ومتوسطي الحال حول القرامطة الذين ادّعوا زوراً أنّهم رجال المهدي والدعاة إليه، تجرّهم أوهامٌ وأمانيّ في أنَّ القرامطة هم المخلصون لهم من أيدي الظلم العبّاسي، حتّىٰ إذا ما استوى القرامطة علىٰ كرسي الزعامة وتسلطوا علىٰ رقاب النّاس خيّبوا آمال الكثيرين ممن آمن بهم وصدّق إدّعاءهم، وما كانوا إلّاشرذمة تركض وراء المال والجاه، واستخدموا أقسى الأساليب وأشدها وحشية في التأريخ.
ويلاحظ أن العلّة في ادّعاء القرامطة أنّهم ينتسبون إلى الفاطميين في المغرب، تكمن أولاً في أنّ هذه المسألة تتيح لهم سهولة نشر دعوتهم، خصوصاً فيما يتعلّق بكونهم يدعون زوراً إلى الحركة المهدية باسم داعية الفاطميين وهو أبوعبيداللّٰه المهدي العلوي. وثانياً العداوة والخصومة التي كانت بين الفاطميين والعبّاسيين (56) ممّا هيأ لهم جوّاً مناسباً خصوصاً كونهم يعيشون في البلاد التي يسيطر عليها العبّاسيون مستفيدين من سخط النّاس على السلطة العبّاسية،