220فاستطاعوا تسخير هذا السخط لصالحهم، وقد يكون السبب في فتنة سنة 317 وهجوم القرامطة علىٰ مكّة في موسم الحجّ وقتلهم الأبرياء وسلبهم الحجر الأسود، هو تهيئة الأجواء لتسلط الفاطميين علىٰ مكّة والسيطرة عليها. نظراً لما كان يُشاع في تلك الفترة من أنّ «أميرالمؤمنين» الحقيقي هو من يستطيع الاستيلاء على الحرمين الشريفين وتعيين أمير الحاج كذلك. لكنّنا لاحظنا كيف أن الخليفة الفاطمي وبّخ القرامطة علىٰ تلك الأعمال، وقبّح مسلكهم في الرسالة شديدة اللهجة التي بعثها المهدي العلوي، والتي أوردنا هنا قسماً منها، وكيف أنّه تبرأ منهم ومن أعمالهم واعتبرها وصمة عار لا يمحو آثارها مرُّ السنين.
وكما أشرنا آنفاً، . . . كرس القرامطة موضوع المهدية لخدمة أغراضهم الدنيئة. فقد اندحر جيش القرامطة مرّة أمام الجيش العبّاسي سنة 316 وذلك قرب مدينة الكوفة، وسقطت رايات القرامطة من أيديهم وفرّوا هاربين، وقد لوحظ أن الآية الكريمة التالية قد كُتبت علىٰ تلك الرايات وهي: (
ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين) (57) ونحن نعرف أن هذه الآية لها علاقة بخلاص قوم موسىٰ من أيدي الفراعنة في مصر، ثمّ فُسِّرت أيضاً بعد ذلك بكونها تصف ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتخليص المجتمع البشري من فراعنة الزمان والطغاة. وهكذا فقد استغل زعماء القرامطة هذه النقطة والاعتقاد السائد حول المهدية، وغدت أُلعوبة بأيديهم في تلك الفترة.
وبعد أُفول نجم القرامطة قامت الحكومات في ذلك الوقت بملاحقتهم وقتلهم، ونخصّ بالذكر السلطان محمود الغزنوي الذي كان أشدّ المناوئين للقرامطة. ويُنشد شاعر البلاط الغزنوي «فرخي سيستاني» في ذلك فيقول:
قد أخذتَ الرَّيَّ فانظر
مُلككَ اليومَ منىً وكذا الصفّا
ثم أنشد الشاعر نفسه بعد وفاة السلطان محمود الغزنوي يرثيه قائلاً: