14وليس الحجّ لغةَ عقيدة معيّنة، أو دستوراً مُحدّداً أو قيماً متفرّقة فحسب، بل هو مرآةٌ تعكس وجهات النظر لكلّ المدارس والمذاهب، وصورة مُصغّرة لكلّ ما يحتويه الإسلام، ذلك الإسلام الذي خرج بشكل قرآن مجيد مُبيّن الكلمات، وواضح الأسلوب، وتجلّىٰ في قالب الإمام والإمامة فصار حركات وملامح تمثّلت في الحجّ. ويبدو أنّ كلَّ ما أراد اللّٰه تلقينه للبشر وتفهيمه إيّاه، قد صبّه في قالب يُدعى الحجّ.
ذلكم هو الحجّ الذي يسير فيه مخلوق في منتهى الصِغر نحو اللّانهاية عِبر سَفَرٍ لاينتهي، فتجسّد خلاله فلسفة خَلق بني آدم فيصوغه مشابهاً للتاريخ والعقيدة والأمّة، والُمخرج لكلّ تلك الأحداث هو اللّٰه سبحانه، ولغة التمثيل هي الحركة، وشخصياتها وأبطالها هم آدم وإبراهيم الخليل وهاجر وابنها إسماعيل، ومن ثمّ إبليس الذّليل، والماكياج والملابس هما الإحرام، والممثل في المشهد الفردي ذاك الذي هو قطرة في وسط اليمّ هو أنتَ أيّاً كنتَ (38) .
نعم، إنَّ الحجّ هو انموذجٌ مصغّر من هيكل الإسلام ككلّ، كما سمّاه الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ووصفه بأنّه الممثّل الوحيد لكلّ شريعة الإسلام (39) .
ومعَ أنَّ كلاً مسؤولٌ عمّا انفق (40) ، وصرف في يومٍ يُحاسبُ فيه حتّىٰ الأنبياء (41) ، إلّاأنّه لايُسئل عن المال المصروف في سبيل تأدية الحج وإقامة شعائره (42) ، ذلك لأنَّ ترك هذه الفريضة يؤدّي إلىٰ بروز الفِتن وتسعيرها (43) وإيجاد المهلكة والفجائع بصورة عامّة (44) .
فالحجّ تفسيرٌ (45) لآية (
ففرّوا إلى اللّٰه إنّي لكم نذيرٌ مبين) (46) وبيانٌ ومصداقٌ (47) ل (
ربّ لولا أخّرتني إلىٰ أجلٍ قريبٍ فاصَّدَّق) (48) وأخيراً فهو (
قياماً للناس) (49) ورمز قوّتهم وعزّتهم (50) .
وهكذا، فلا يمكن للحجّ أن يكون مجرّد عمل عاديّ، وعبادة بسيطة،