108الوضعية التي ينأىٰ أصحابها جهد إمكانهم عن مثل هذا المنحىٰ والنهج. فما بالك باللّٰه تعالىٰ خالق كلّ شيء حيث سنّ لمخلوقاته أنظمة وتشريعات وأحكاماً وفق معرفته الدقيقة بما يصلحها، وهو ليس بحاجة إلىٰ أن ينتظر فلاناً يشتهي شيئاً فينزل فيه قرآناً، ويشرع وفق رغبته حكماً يلزم النّاس جميعاً بالامتثال له، أو يتوقف عن التشريع أو لايلتفت - معاذ اللّٰه - إلىٰ حكم مادام فلان لم يرغب أو يصرح بما يحب.
هذا لو قلنا: إنّ صلاة الطواف لم يشرع فيها حكم ولم تكن من مناسك الحجّ الإبراهيمي، فكيف يكون الأمر إذا عرفنا أن مناسك الحجّ ومن ضمنها هذه الصلاة سنّت في عهد إبراهيم عليه السلام؟ !
2 - ليس من المعقول أن إبراهيم يؤذن بالحجّ تلبية لأمر اللّٰه تعالىٰ دون أن يعرف معنىٰ مضامين الحجّ ومناسكه، التي عليه أن يبلغ النّاس بها ويعلمهم.
فلا بدّ في الرتبة السابقة أن يعرف تفصيلاً هذه المناسك (المواضع والأفعال) .
والآية التالية التي تحكي دعاء إبراهيم وإسماعيل (.
. . وأرنا مناسكنا. . .) 1خير بيان لما نقول. فهذا صاحب التفسير الكبير الرازي يقول في هذه الآية:
في أرنا قولان:
الأوّل : معناه علمنا شرائع حجّنا إذ أمرتنا ببناء البيت لنحجه وندعو النّاس إلىٰ حجّه، فعلمنا شرائعه وما ينبغي لنا أن نأتيه فيه من عمل وقول. . .
الثاني: أظهرها لأعيننا حتّىٰ نراها. . . قال الحسن: إنّ جبريل عليه السلام أرىٰ إبراهيم المناسك كلّها حتّىٰ بلغ عرفات، فقال: يا إبراهيم أعرفت ما أريتك من المناسك؟ قال: نعم. . .
وهذان هما القولان المعتبران عند الرازي حيث يقول: فمن قال بالقول الثاني قال: إنّ المناسك هي المواقف والمواضع التي يقام فيها شرائع الحجّ كمنىٰ وعرفات والمزدلفة ونحوها، ومن قال بالأول قال: إنّ المناسك هي أعمال الحجّ كالطواف