64إذا تقرّرت هذه فنقول: حلّه علىٰ رأيهم أنّه عليه السلام أراد أن يشير إلى أنّه - تعالى - كما يعطي الوجود الذي هو أعلم الكمالات، وأجلّ النعم إذ به ينال العبد كلّ خير وكمال، ولذّة ووصال، وبه يصل إلى سعادة الدارين، ومقاصد النشأتين، إذ لا يمكن أن يكون للمعدوم بما هو معدوم خير وسعادة ضرورة توقف الكمالات الثابتة، وما يتفرّع عليها على الكمال الأوّل الذي هو أصل آنيته، إذ به يظهر ماهيته وما يتفرّع عليها من خواصّه واعراضه، كذلك يعطي الوسائل إلى تحصيل السعادات، واستفاضة الخيرات، فجوده منوط بجوده، ورحمته مرتبطة برحمته.
وهذا غاية التنزيه، وكمال التوحيد، ونفي الشرك الخفيّ الذي لا ينفكّ عنه إلّا الخائضون في قمامس 1أنوار معرفته، والغائصون في بحار آثار قدرته. ولنعم ما قلت في أثناء تحرير هذا المقام:
يا من تحقّقَ وجود العالمين من وجودك
من ذرّة جودك وكرمك طَهَر الخلق
جاهلون بذاتك نحن، وكلّ ما نعلمه عنك هي معرفتنا بآثارك
لقد مزجتَ فيض الأزل بالعدم
وبعثت إلى الوجود عالم الآثار
الثرى إثر فيضك وإحسانك غدا وجهاً صبوحاً 2علقة الدم غذت قلباً عارفاً 3كلّ قطرة هي من بحرك
كما الشمس التي هي ذرّة تجوب المدار
الذهب بصفائه ولونه الزاهي منك
قدرة قبضة الأسد منك