59ولكن حتى لو كانت الإجابة تضرّه فإن اللّٰه - تعالى - لا يلغي الإجابة، بشكل مطلق، وإنما (يبدله) إلىٰ كفارة لذنوبه، وغفران لها، أو إلىٰ رزق يرزقه إياه في الدنيا عاجلاً أو درجات رفيعة له في الجنة.
وفي غير هاتين الحالتين (حالة التبديل وحالة التأجيل) لابد من الإجابة.
وهذه الحتمية نابعة من حكم الفطرة القطعي إذا كان السائل محتاجاً وفقيراً ومضطراً إلى المسؤول، والمسؤول قادر على إجابة طلبه، ولا بخل ولا شحّ في خلقه.
والقرآن الكريم يؤكد هذه العلاقة الحتمية 1يقول تعالى:
1 - «أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. . .» 2.
فلا يحتاج المضطر في الإجابة لاضطراره، وكشف السوء عنه إلّاإلى الدعاء (إذا دعاه) ، فإذا دعاه سبحانه، استجاب لدعائه، وكشف عنه السوء.
2 - «وقال ربّكم ادعوني أَستجب لكم إنَّ الذين يَستكبرون عن عبادتي سَيدخُلون جهنمَ داخِرين» 3.
والآية الكريمة واضحة وصريحة في الربط بين الدعاء والاستجابة (ادعوني استجب لكم) .
3 - «. . . أُجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دَعانِ. . .» 4.
والعلاقة القطعية بين الدعاء والإجابة واضحة وصريحة في هذه الطائفة من آيات كتاب اللّٰه، وهي تدفع كلّ شك وريب من النفس في قطعية الإجابة من اللّٰه لكل دعاء، ما لم تكن الإجابة مضرة بالداعي أو بالنظام العام الذي يعتبر الداعي جزءاً منه، والاستجابة في هذه الآيات غير مشروطة ولا معلّقة بشيء.
وأمّا الشروط التي سوف نتحدث عنها؛ ففي الحقيقة ترجع الىٰ تحقيق الدعاء وتثبيته لمصلحة الداعي نفسه، ومن دونها يضعف الدعاء أو ينتفي.
إذن فإنّ العلاقة بين الدعاء والاستجابة علاقةٌ حتمية لا يمكن أن تتخلف، وعلاقة مطلقة لا يمكن أن تتعلق بشرط، إلّاأن يكون الشرط مما يؤكد ويثبت حالة الدعاء نحو قوله تعالى: «. . . إذا دعاه ويكشف السوء. . .» .
وفي أحاديث رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وأهل بيته ما يؤكد ويعمق هذه العلاقة بين الدعاء والإجابة.
ففي الحديث القدسي:
« يا عيسى. . . إني أسمع السامعين، أستجيب للداعين إذا دعوني» 5.
وعن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: « ما من عبد يسلك وادياً فيبسط كفّيه، فيذكر اللّٰه ويدعو إلّاملأ اللّٰه ذلك الوادي حسنات فليعظم ذلك الوادي أو ليصغر» 6.
وعن أبي عبد اللّٰه الصادق عليه السلام في حديث: « لو أن عبداً سدّ فاه، ولم يسأل لم يعط شيئاً، فسل تعط» 7.
وعن ميسر بن عبد العزيز عن أبي عبد اللّٰه الصادق عليه السلام: « يا ميسر! إنّه ليس من باب يقرع إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه» 8.