۵٨وإن (المانع) عن استجابة الدعاء إمّا أن يكون من ناحية المسؤول، أو من ناحية السائل، وليس من ثالث، ولا يمكن أن يكون هناك مانع من ناحية المسؤول فإن اللّٰه - تعالى - مقتدر كريم، لا تنقص خزائنه، ولا ينفد ملكه.
«. . . وإذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون» ١.
«. . . والأرضُ جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطوياتٌ بيمينه» ٢.
« إنّ اللّٰه على كل شيء قدير» ٣.
« وللّٰه خزائنُ السموات والأرض» ۴.
ولا بخل ولا شحّ في ساحته، ولا حدّ لجوده وكرمه.
«. . . ربنا وسِعتَ كلّ شيء رحمة وعلماً. . .» ۵.
« فإن كذّبوك فقل ربُّكم ذو رحمة واسعة. . .» ۶.
«. . . وما كان عطاءُ ربك محظوراً» ٧.
« ما يفتحِ اللّٰهُ للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يُمسك فلا مرسلَ له من بعده. . .» ٨.
فلا نفاد لملك اللّٰه ورحمته وسلطانه حتى يعيق رحمته، ولا بخل ولا شحّ في ساحته حتى يمنعه من الجود والعطاء.
فليس في المسؤول - سبحانه وتعالى - ما يمنع من الاستجابة لدعاء عباده كلما دعوه وطلبوا منه شيئاً، وهو معنى قوله تعالى (ادعوني أستجب لكم) من دون قيد ولا شرط، هذا من ناحية المسؤول.
وأمّا من ناحية السائل فقد تضرّ الاستجابة بحال السائل، وهو لا يعلم، واللّٰه - تعالى - يعلم، فلا يستجيب لدعائه، ولكن يعوضه عن ذلك بغيره من قضاء حاجاته الأخرى وغفران ذنوبه.
وقد يضرّه التعجيل بقضاء حاجته والاستجابة لدعائه، ويعلم اللّٰه - تعالى - أن تأجيل الاستجابة أصلح لحاله.
التبديل والتأجيل:
في الحالة الأولى يبدل اللّٰه - تعالى - قضاء حاجة عبده بغيرها من حاجاته.
وفي الثانية يؤجل اللّٰه - تعالى - الاستجابة لدعاء عبده إلى الوقت الصالح له.
ففي دعاء الافتتاح:
« فصرت أدعوك آمنا، وأسالك مستأنساً، لا خائفاً ولا وجلاً، مدلاً عليك فيما قصدتُ فيه اليك، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعلّ الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور» .
وقد يؤخر اللّٰه - تعالى - اجابة دعاء عبده، كي يطول قيامه وتضرعه بين يديه - تعالى - واللّٰه يحب أن يطول وقوف عبده وتضرعه بين يديه، ففي الحديث القدسي:
« يا موسى! إني لست بغافل عن خلقي، ولكني أحبّ أن تسمع ملائكتي ضجيج الدعاء من عبادي» ٩.
وعن الصادق عليه السلام:
« إن العبد ليدعو فيقول اللّٰه - عزّ وجلّ - للملكين قد استجبت له، ولكن احبسوه بحاجته، فإني أُحبّ أن أسمع صوته، وإن العبد ليدعو، فيقول اللّٰه - تبارك وتعالى - عجّلوا له حاجته فإني أبغض صوته» ١٠.