161وعنى الفاطميون بإصلاح كثير من الخراب الذي كان يطرأ على المسجد الحرام، وجددوا بعض الاسطوانات، وأصلحوا بعض المواضع من سقفه، إلا أن عناية العباسيين كانت أكثر وضوحاً، فقد قاموا بإصلاحات كثيرة في الكعبة فعمروا سقفها سنة 542 وأصلحوا رخامها عام 550 وشدّوا ركنها اليماني عندما تضعضع عام 559. وأهدى المطيع العباسي للكعبة قنديلاً من الذهب زنته 600 مثقال، وعدة قناديل من الفضة في العام نفسه 1.
وأهدى الخليفة العباسي المكتفي في عام 551 باباً للكعبة بديع الصنع منقوشاً عليه اسمه، كما أهداها ميزاباً جميل النقش في عام 541، كما أمر وزير صاحب الموصل محمد الجواد الإصفهاني بعمل إصلاحات كثيرة في المسجد، أهمها تعمير منارة الباب وقبة العباس بجوار زمزم. وأنشأ مزولة في صحن المسجد لمعرفة أوقات النهار، وكان مكانها على بعد 43 ذراعاً من ركن الكعبة العراقي بذراع الحديد عمّا يلي المنبر، وقد أزيلت بعد ذلك ولم يبق لها أثر 2.
وممن عنى بالمسجد في هذا العهد أحد أعيان المسلمين المعروف بالشيخ رامشت واسمه أبو القاسم إبراهيم بن الحسين الفارسي، فقد بنى رباطاً بجوار باب إبراهيم لسكنى فقراء الصوفية من أصحاب المرقعات، وأهدى للكعبة ميزاباً في سنة 541 وكساها بالحبرات في عام 532 كسوة كلفته 18 ألف دينار مغربية ، وكذلك كساها أبو النصر الأسترآبادي كسوة بيضاء من عمل الهند في عام 446.
وكان الفاطميون يكسونها بالديباج الأبيض كما كان بعض العباسيون يكسونها بالسواد شعار العباسيين، واستمرت تكسى بالسواد إلى الآن 3.
ويذكر الشيخ باسلامة في كتابه عمارة المسجد 4: أنه يظن أن المقامات الأربعة الموجودة بالمسجد أنشئت بين القرن الرابع والخامس، أي في هذا العهد الذي ندرسه الآن، وذلك لأن المؤرخين والرحالين الذين وصفوا المسجد قبل هذا العهد، وآخرهم صاحب العقد الفريد لم يذكروا عنها شيئاً، بينما يذكرها ابن جبير في رحلته عام 578 فدل ذلك على أنها حدثت قبيل ذلك العهد.
والذي نحسبه أن ما ذكره الشيخ باسلامة لا يعدو الحقيقة لأننا نعتقد أنها أحدثت في العهد الفاطمي مع ما أحدثت من مزايا جديدة.
وكان في جوانب حجرة زمزم أحواض يصبّ فيها الماء، ويتوضأ الناس به، وأمام بئر زمزم من ناحية الشرق بناء آخر عليه قبة يسمى سقاية الحاج وضع به أزيار يشرب منها الحجاج، وبعد هذا البناء في ناحية الشرق، بناء آخر مستطيل عليه ثلاث قباب يسمى خزانة الزيت به الشمع والزيت والقناديل، وحول الكعبة أعمدة قامت بينها عوارض من الخشب عليها زخارف ونقوش من الفضة، وقد أنيطت بها المصابيح معلقة في الحلق والطلاّبات ويفصلها عن الكعبة 150 ذراعاً وهي مسافة المطاف 5.
سادساً: النواحي العمرانية في عهد المماليك الأتراك والشراكسة: