162لم يبذل المماليك الأتراك الجهود التي بذلها مماليك الشراكسة بعدهم في سبيل الإصلاح، ومع هذا فقد كانت لهم اصلاحات منها: أنهم في عام 736 ه عمروا الأساطين التي حول المطاف وقد جعل بعضها من الحجارة المنحوتة الدقيقة، والباقي كان آجراً مجصصاً، وجعل بين كل اسطوانتين خشبة تعلق فيها القناديل عوض الأخشاب التي كانت تعلق فيها 1. وفي عام 749 عنى الأمير فارس الدين من مماليك الأتراك بإصلاح المسجد، وجدد الأعمدة حول المطاف 2وفي سنة 720 عمّر الناصر محمد بن قلاوون رخام الحجر ثم عمّره من بعده المنصور علي بن الأشرف سنة 781 وصنع باباً للكعبة، وصنع ولده الناصر حسن باباً للكعبة سنة 871 3ووقف الصالح إسماعيل الناصر في عام 743 قرية من نواحي القاهرة يقال لها «بيسوس» 4بجوار القليوبية، وظل ينفق من غلتها على الكسوة. وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته إلى الحجّ سنة 728: أن الملك الناصر كان يتول كسوتها وكانت سوداء مبطنة بالكتان، وأنشأ الناصر بن قلاوون متوضَّأً مقابل باب علي.
وعنى الشراكسة بالإصلاحات في مكة والمسجد الحرام، فجدّد (برقوق) في عام 801 عقد المروة وأصلح درجاتها، وعمر في عام 842 ناظر الجيش الشركسي ومدير الحرم (سودون) كثيراً من المواضع المأثورة في منى والمزدلفة وعرفات، وأزال أشجار الشوك والصخور الكبيرة في طريق عرفات؛ لأن اللصوص كانوا يختفون وراءها 5.
وكانت العين من نعمان إلى عرفات خربة، انقطع ماؤها من عهد المماليك الأتراك فأصلحوا مجراها في عام 874 إلى أن عاد ماؤها يروى الحجيج 6.
وأمر السلطان قايتباي بهدم المتوضأ الذي ذكرنا أن المماليك الأتراك أنشؤه أمام باب علي، ثم بنى مكانها رباطاً للفقراء، وأدخل في مساحة الرباط نحو ثلاثة أذرع من المسعى، وعندما عارض قاضي مكة في إضافة الأذرع من أرض المسعى إلى الرباط ومنع البناء، أصدر قايتباي أمره إلى أمير الحجّ بتنفيذ البناء بقوة العسكر فتم ذلك، وأنشأ إلى جانب الرباط متوضأً صغيراً وجعل له باباً يشرف على سوق الليل - القشاشية - كما أُنشئ بجواره مطبخ تطبخ فيه الدشيشة وتوزع على الفقراء، كما عمّر قايتباي مسجد الخيف في منى ومسجد نمرة في عرفات 7.
وفي عهد الشراكسة شبت النار في رباط رامشت بين باب ابراهيم وباب الوداع في شوال سنة 802 فاتصل لهيبها بسقف المسجد ثم التهمت النار جميع الأروقة إلى باب الباسطية فندب الشراكسة أمير الحج المصري عام 803 لإصلاح ما تهدم، وقد احتاج العمل إلى تغيير بعض الأسطوانات الرخامية فنحتوا من الجبل المعروف بجبل مكة حجارة بشكل نصف دائرة أقاموا منها الأسطوانات الثخينة، ثم زخرف المسجد بالألوان ونيطت السلاسل بالسقف لتعليق القناديل كما كانت في العهد العباسي، وعمرت المقامات الأربعة على هيآتها القديمة، وتمت أعمال البناء في سنة 807 ه وفي عهد أبي السعادات بن الطاهر برقوق ثاني ملوك الشراكسة 8.
وفي هذا العهد عام 807 سد باب الخلوة إلى جانب زمزم، التي كان فيها مجلس ابن عباس وجعل في موضع الخلوة بركة مقبوبة، وفي جدارها الذي يلي باب الصفا «بزابيز» من نحاس يتوضأ الناس منها على أحجار نصبت للجلوس، وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة، وشباك إلى الصفا وطابق صغير إلى البركة.
وعمرّ الشراكسة حجر إسماعيل بالرخام، وأرسلوا له كسوة من الحرير الأسود كسوا به دائرة من الداخل