160(الرشا) 1، واتخذ البرك لها في أعلىٰ مكة وأسفلها، تصب فيها المياه فيسقي منها الناس، وتلك كانت عادتهم قبل إنشاء موارد الماء في القرون المتأخّرة. ولما لم يف ذلك بالغرض نشطت زبيدة زوجته للأمر فاشترت أرض حنين، وكان فيها نخيل وزرع فألغته، وبنت للماء قنوات يصب فيها إلى أطراف مكة، ثم اشترت أرضاً أخرىٰ في وادي نعمان فوق عرفات، وبنت قنواته؛ ليصب في عرفة، ثم أصلحت البرك الموجودة في مكة، وبنت بركة غيرها، ليصب الماء فيها ويستقي الناس، وقدّرت نفقات ذلك بنحو ألف وسبعمائة ألف مثقال من الذهب وهو يعادل مليون وسبعمائة ألف دينار ذهبي 2.
وأمر المأمون بانشاء خمس برك في مكة، تتسلط عليه عين زبيدة فجعل احداها عند شعب ابن يوسف (شعب عليّ) ، والثانية عند الصفا والثالثة عند الخياطين بجوار ما نسميه «باب إبراهيم» عند فوهة سكة الثنية 3والرابعة عند سوق الحطب في «الهجلة» ، والخامسة في ماجل أبي صلاية 4، وجعل المسارب بين البرك يجري فيها الماء من بركة زبيدة.
وبنى الرشيد له داراً بين الصفا والمروة شارعة على المسعى كان يقال لها دار القوارير 5، وفيها بئر هاشم وكانوا يسمونها «سحلة» ، أو بئر جبير بن مطعم؛ لأنه استوهبها من هاشم وهي موجودة إلى اليوم في باب قايتباي، وقيل: إن عبد المطلب وهبها لمطعم عندما استغنى عنها بحفر زمزم.
وأنشأ ياسر - خادم زبيدة - بأمرها ميضات على باب أجياد الكبير، وأدخل فيها بئر الحفر وقد دخل كل هذا في رواق باب أجياد في التوسعة الجديدة.
واشترت زبيدة دوراً أوقفتها في مكة، ومنها دار الأرقم، وهي الدار التي كان يختبئ النبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم فيها قبل البعثة، وتقع في زقاق على يسار الصاعد إلى الصفا، ويسميها بعضهم دار الخيزران، وهي غير دار الأرقم التي بجوارها.
وأنشأ الرشيد على رؤوس الجبال منائر تشرف على فجاج مكة، ورتب المؤذنين لها؛ لأن بعضهم كان لا يبلغه صوت المسجد، فبنى على أبي قبيس أربع منائر، وعلى رأس الأحمر المقابل منارة، وعلى الجبل المشرف على شعب عامر منارة أخرى تشرف على المجزرة، ومنارة على جبل كري وغيرها. وبنى مولاه (بغا) غير ذلك على جبال أخرىٰ في الفلق والمعلاّة والشبيكة وأجياد وبئر ميمون في أعلى الأبطح ومسجد الكبش بمنى.
وكان بعض المؤذنين يسهرون فوق المآذن التي بناها الرشيد في الجبال؛ ليؤذنوا فيها، ولعله أذان السحر الذي كان مستعملاً، وقد أهملت هذه المنائر بتقادم الأجيال وخربت ولم يبق منها أثر 6.
وفكّر الرشيد في أن يعنى بموصلات مكّة البحرية فينشئ قناة ما بين البحر الأحمر والأبيض، فأشير عليه بترك ذلك مخافة أن تتصل سفن الروم بأرض العرب، وتهدد الحرمين بأخطارها فعدل عن ذلك، وما عدل عنه الرشيد نفذه الخذيوي سعيد في مصر بفتح قناة السويس عام 1286 ه.
خامساً: النواحي العمرانية في عهد الفاطميين: