134لا يقدر عليه، وإنما وقع الكلام في مواضع:
الموضع الأول: في إحرام الصبيّ المميّز، وأنّه هل يصحّ منه استقلاله بالإحرام، أو يشترط ذلك بإذن الولي؟
والكلام هنا نفس الكلام في أصل حجّ الصّبي المميّز، فمن قال بصحّة حجّ الصّبي المميّز استقلالاً وبدون إذن الولي، قال هنا باستقلاله بالإحرام وعدم توقفه على إذن الولي، ومَن قال هناك باشتراط حجّه بإذن الولي قال هنا بتوقف إحرامه على إذنه.
وقد ذكرنا في البحث السابق أن مقتضى الإطلاقات الدّالّة على صحّة حجّ الصّبيّ عدم توقفه على إذن الولي، ونقول في إحرام الصّبي الكلام نفسه، فلا دليل على توقّف إحرامه على إذن الولي بعد دلالة الإطلاقات على صحّة أفعال الحجّ منه، ومنها الإحرام.
الموضع الثاني: في إحرام الصبيّ غير المميّز.
يظهر من بعض الفتاوى أنّ معنى إحرام الولي عن الصّبى نيابة الولي عن الصّبي في الإحرام، وبناءً على ذلك فقد اشترط فيمن يُحرم عن الصّبي أن لا يكون مُحرماً بنفسه، وجوّز أن يحرم الوليّ عن الصّبي وهو غائب.
والحقّ أنّ معنى الإحرام عن الصّبي عقد الإحرام للصّبي، فالصّبي هو الّذي يتلبّس بالإحرام، غير أنه باعتبار عدم تمييزه، وعدم تأتّي النيّة وقصد الإحرام منه يتولّى القائم بأمره عقد الإحرام له، بأن ينوي الإحرام به وأن يلبّي عنه إن عجز عن التلفّظ بالتلبية بنفسه.
قال ابن قدامة المقدسي:
« ومعنى إحرامه عنه: أن يعقد له الإحرام، فيصحّ للصّبيّ دون الولي كما يعقد النكاح له» 1.
وقال المحقق النجفي: « ظاهر النّصّ والفتوى كون الإحرام بالصّبي على معنى جعله محرماً بفعله لا أنّه ينوب عنه في الإحرام، ومن هنا صرّح غير واحد بأنّه لا فرق في الولي بين كونه محلاً أو محرماً، فما عن الشافعيّة في وجه من كون الإحرام عنه واضح الضعف» 2.
دليلنا على ذلك: أن مقتضى ظهور الأدلة الدّالّة على صحّة حجّ الصّبي مباشرته لأفعال الحجّ كلّها، خرج من ذلك خصوص ما يعجز عنه الصّبي، وبقي ما سواه داخلاً في ظهور الدّليل المقتضي للمباشرة، والصّبي غير المميّز إنما يعجز عن النيّة وليس عاجزاً عن ساير واجبات الإحرام وتروكه، فلا ينوب الولي عنه غير النيّة، وبما أنّ الإحرام فعل الصّبيّ،