64ونَمِرَة داخلةٌ في عرفات حيث إنّها واقعةٌ علي يمين مَن خرج مِن المأزمَين وأراد الموقف، وعلي هذا فيكون إطلاق عرفات علي ما بعد نَمِرَة في بعض الأخبار لأجل أفضليّة هذه القطعة، أو لكونه محلاً للاعتراف بالذنوب، لا أنّ عرفات هي هذه القطعة فقط.
3- ما ذُكر من استجاب الجمع بين الصلاتَين بعَرَفَة، قال في التذكرة: "ويجوز الجمع لكلّ مَن بعَرَفَة من مكّيٍ وغيره، وقد اجمع علماء الإسلام علي أنّ الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعَرَفَة" (11) . وعلي هذا يظهر أنّ صلاة النبي (صلّي الله عليه وآله وسلم) كانت بعَرَفَة، ويشهد لهذا ما رُويَ عن دعائم الإسلام عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن عليّ (عليه السلام) : "أنّ رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) غدا يوم عَرَفَة من مني فصلّي الظهر بعَرَفَة، لم يخرج من مني حتّي طلعت الشمس" (12) .
كما يظهر من خبر جذاعة الأسدي معروفيّة إيقاع الصلاتَين بعَرَفَة في ذلك الزمان حيث قال: "قلت للإمام الصادق (عليه السلام) : رجلٌ وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلي الناس ولا يدعو حتّي أفاض الناس. قال (عليه السلام) : يجزيه وقوفه. ثمّ قال: أليس قد صلّي بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت: بلي. قال (عليه السلام) : فعرفات كلّها موقف وما قرب من الجبل فهو أفضل" (13) .
4- لقد ذكر بعض الفقهاء أنّ نَمِرَة من عَرَفَة، فقد قال الصدوق في المقنع: "ثم تلبّي وانت مارٌ إلي عرفات، فإذا ارتقيت إلي عرفات فضرب خباءَك بنَمِرَة، فإنّ فيها ضَرَب رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) خباءه وقبّته، فإذا زالت الشمس يوم عَرَفَة فاقطع التلبية وعليك بالتهليل والتحميد والثناء علي الله. . . ثمّ قال: إيّاك أن تفيض منها قبل غروب الشمس. . . ".
وقال ابن بابويه في الفقيه: "فإذا أتيت إلي عرفات فاضرب خباءَك بنَمِرَة قريباً من المسجد، فإنّ ثمّ ضرب رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) خباءه وقبّته. . . ".
وفي المقنعة: "ثمّ لِيُلَبّ وهو غادٍ إلي عرفات، فإذا أتاها ضرب خباءه بنَمِرَة قريباً من المسجد، فإنّ رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) ضرب قبّته هناك. . . " (14) .
وقد ذكر عن بعض الحنفيّة: أنّه قيل حدّ عرفات ما بين الجبل المشرف علي بطن عرنة إلي الجبال المقابلة لعرنة ممّا يلي حوائط بني عامر وطريق الحضّ. .
وعن الأزرقي: عن ابن عبّاس أنّ حدّ عرفات من الجبل المشرف علي بطن عرنة بالنون إلي جبال عرفات إلي وصيق إلي ملتقي وصيق ووادي عرنة.
وعن بعضهم أنّ مقدّم مسجد إبراهيم (عليه السلام) أوّله ليس من عُرَنَة ومقتضاه أنّ ما عدا الأوّل من عرفات فيمكن أن تكون صلاة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلم) فيما كان منه من عرفات، ويشهد لذلك ما يُحكي عنهم من الجواب لأبي يوسف (عن إشكاله بمنافاة الصلاة للوقوف من أوّل الوقت إلي الزوال) بأنّه لا منافاة، فإنّ المصلّي واقف. وهذا كالصريح في كَون المسجد من عرفة. وقد تقدّم منّا عن الرافعي الجزم بذلك مع شدّة تحقيقه واطّلاعة (15) .
أقول: إذا أخذنا بهذه القرائن علي أنّ نَمِرَة التي فيها المسجد الذي يُقال عنه أنّه مسجد إبراهيم، وقُلنا إنّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلم) قد صلّي فيه الظهر والعصر جمعاً، فيجب أن نفسر الروايات القائلة بذهاب النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلم) إلي الموقف بعد الصلاة، بإرادة موقف الدعاء في ميسرة الجبل الذي يُستحبّ فيه الوقوف أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير والدعاء لنفسه ولغيره ممّا جاءت به النصوص في ذلك الموقف.
والتحقيق: إنّ هذه القرائن كلّها لا تقف في وجه الروايات القائلة بأنّ الوقوف في (نَمِرَة) التي هي بطن عرنة لا يجزي.